الاثنين، 23 مارس 2009

رسالة من الرحالة العربي إلى الشباب العربي من المحيط حتى الخليج.. أنتم القادة وكل الكبار هم الرعية




منذ بدء الخليقة وطاقات الانسان تتمايز عن واقعه المعاش . ولأن واقع الشعوب والأمم ومختلف الحضارات الانسانية تقوم على استخدام أعظم الامكانيات للتقدم والرقي والازدهار نجد أنه ما من أمة تطورت إلا وكان عماد تحولاتها مجتمع الشباب . الشباب كالشجرة نتاج بذرة ماتلبث أن تعانق السماء بأغصانها لتبقى قوتها في صلابة جذوعها . إن نظرة على واقع أمتنا العربية يجعلنا نحرر آلاف الأسئلة في عقولنا . هل نحن حقاً ننتمي إلى عظمة تاريخنا وثقافتنا وأصالتنا ، وتراث الأباء والأجداد الذين رفعوا راية الأمجاد والعلم والمعرفة والتقدم الحضاري بقيم مجتمعاتنا الدينية والأخلاقية والوجدانية . أم هناك فجوة في حالة أمتنا وعلينا تحديد ملامحها وحجمها ، وأسباب وجودها وعوامل استمرارها ، وكيفية التخلص منها وتجاوزها . مجرد تساؤلات تتطلب من كل فرد منا أن يتناولها بالتدقيق والتمحيص ، والمتابعة والملاحظة لأستخلاص العبر والأحكام ، والتقييم الموضوعي الهادىء . كي نجدد إيماننا بهويتنا العربية، ونتخلص من مختلف أشكال السلوكيات السلبية التي تعصف بحركة ممارساتنا وواقعنا . في ظل التحديات الضخمة التي يفترض بنا مواجهتها والتغلب عليها بالارادة والايمان والتصميم على التغيير نحو الأفضل ، وبالتفكير العقلي المستنير ومنطق البحث العلمي والتخطيط العملي ، واستخدام كل الأمكانيات الموضوعية للوصول إلى الأهداف والطموحات التي توحد أمتنا بالعزة والريادة والأبداع المستمر ، والأمن والعدل والتطور والرخاء . في ظل هذا الواقع كان علي القيام بخطوة صعبة جداً بالسير على الأقدام عشرات الآلاف من الأميال في مختلف الأحوال المناخية والظروف المتقلبة لنشر نداء أمتنا إلى العالم من أجل صيانة الحق والعدل والسلام الشامل ولتوضيح حقائق الواقع بعيداً عن التشويه المتعمد لوسائل الأعلام وغيرها لحقيقة مايجري على أرضنا من مظالم ساهم العالم بتكريسها بتسهيل زرع هذا الكيان السرطاني في جسد أمتنا للفتك بها ، والنيل من مصيرها وحقوقها ، وأمنها ومقدراتها ، وكرامتها وسماحة قيمها ووحدتها ، ورسالتها الحضارية الخيرة لكل الأمم والشعوب .

وأتساءل اليوم وأنا في مرحلة عمرية وسطية بين جيل الشباب والكبار . ماذا قدم لكم الكبار من انجازات وخبرة وامكانيات ووقائع وحلول تستعينون بها في مواجهة المستقبل من تخطيط وتنمية وآليات أنظمة وبرامج وفرص عمل وقوانين وتشريعات وحقوق ، ومؤسسات تصلح أن تكون قاعدة الأنطلاق نحو المستقبل . قد يجادل البعض بأنه كثير ، ولكن ضميري الانساني كرحالة عربي يأمرني بالأعتراف بأنه أقل من القليل . لقد كنتم أطفالاً حينما حملت همومكم وأحلامكم لهذا العالم المتعامي عن الحقائق المريرة التي تتحمل مآسيها الأمم والشعوب المستضعفة وفي مقدمتها شعبنا الفلسطيني في ظل علاقات فردية وجماعية ورسمية ودولية لاتجمعها توازن التعامل مع الحق والانصاف واحترام المصير . والآن أنتم شباب اليوم وعماد المستقبل . وقد كبرت همومكم، وتضخمت التحديات في طريقكم، وتعاظم الظلم الاجتماعي والرسمي والدولي في عيونكم وحياتكم . لقد رحل الكبار الذين قدموا الجهد والعمل والتضحيات من أجلكم . لذلك اسمحوا لي أن أقدم لكم اليوم اعتذاراً صريحاً نيابة عن الأمة العربية كلها . لأنها تشكل نبضات قلبي الموحدة ، ونيابة عن الكبار من زعامات الأمة الذين لم يثبتوا لكم أنهم في مستوى المسؤولية التاريخية أمام الأجيال والأحداث العظيمة . ولم يعتادوا على الأعتذار عن أخطائهم أمام الأمة بل أصبح تكريس تلك الأخطاء الاستراتيجية والمصيرية جزءاً من الخطاب السياسي في توجهاتهم . إنني من جيل لم تستطع رياح التشويه والانحراف والتجهيل أن تنال من ايمانه بعبثية هذه الحدود المصطنعة . التي زرعتها أيدي سايكس - بيكو الاستعمارية وأؤمن بأنكم كشباب قادرون على إزالتها . رغم جيوش حماتها ومحاولات تكريسها في الثقافة الفكرية الطارئة والغريبة عن وجداننا القومي . هذه الأمة بحاجة إلى دماء متجددة في عروقها وقد دفعتم ثمناً غالياً في دفاعكم عن الوطن سواء كان واجباً طبيعياً عليكم ضد عدو طامع وغاصب . أو مفروضاً عليكم بفعل أخطاء من هنا أو هناك . أو نتيجة استباحة الكبار واستهتارهم بحق المشاركة في صنع القرار . وأدعوكم اليوم لتقدموا لهؤلاء جزءاً من دمائكم طوعياً فربما تجدد الحياة في شرايينهم المتيبسة . لأنهم صمتوا على فظاعات الظلم وهدر الكرامة والعبث بمصير الأمة الواحدة ، وكي يعرفوا بعضاً من النخوة التي عكست مواقف رائدة في تاريخنا مثل نخوة المعتصم ومواقف الملك فيصل في عام 1973 وقادة آخرون تفتخر بهم وبنبل صدقهم وعظمتهم أمتنا . نحن في حاجة إلى إعادة قراءة التاريخ وتخليصه من الشوائب التي تسربت الى صفحاته بفعل التشويه والانحراف . وعلينا أن نعمل العقل والمنطق ، والقراءة المتأنية في التعامل مع الأحداث ، ورفض الخنوع والذل والهوان ، وحرف التراث والثقافة عن أصالتنا وماضينا الذي نستلهم من قادته المخلصين العبر والدروس ، والبحث عن أدوات التغيير وأساليبه والأهداف الاستراتيجية التي توحد الأمة . والتصدي للتعصب والانحرافات الغريبة عن تربيتنا وأخلاقنا وكرامتنا ، وأن ننبذ الأحقاد والفتن والطائفية والأنانيات . إن تعدد الآراء ووجود بعض التباينات والأختلافات يؤسس للأستفادة من تنوع أفكارنا لنبني لا لنهدم ، لنرفع من شأن الأمة وثقافتها لا لندمر وحدتها ومصيرها . لقد أثبت النظام السياسي العربي عجزاً واضحاً أمام التحديات في السنوات الماضية وهو ليس قدراً في حياتنا ومستقبلنا . وإن محاولات التجميل والمصالحات الهامشية لن تنسينا سبعة آلاف ضحية لم تجد نصرتها من الأهل وأخوة المصير الواحد . فهل نحتاج إلى مئة ألف ضحية حتى يسقط نظام مستسلم هنا أو هناك . أنتم الشباب قادرون على الاجابة . لاتنتظروا منا جواباً فنحن لسنا في مستوى فتوتكم وعزتكم ، ونخوتكم وشهامتكم ، وايمانكم وتضحياتكم ، وقدرتكم على التعامل مع متطلبات النهوض بأعباء المستقبل . ولأن المناسبة إفتتاح موقع ألكتروني يختص بالشباب العربي وقد آل المشرفون على إنشائه أن يكون واحة للشباب العربي ، ولزرع البسمة والفرح على ثغورهم في ظل ليل طويل باهت حاصر واقعنا في كل ألوان الحياة الانسانية . وقد أختاروا أن يحمل الموقع إسماً مميزاً ( أحلى شي) أقول لكم جميعاً أحلى شيء أن نعزز ايماننا بالوحدة العربية من المحيط حتى الخليج ، وأحلى شيء أن نثق بأنفسنا وبالمستقبل ، وأحلى شيء أن ننتصر للكلمة الطيبة والموقف الأخلاقي المسؤول ونتضامن مع بعضنا ، وأحلى شيء أن نستفيد من الفضاء الألكتروني بكل ماينفع النفس والفكر والالتزام بقضايا الوطن والأمة ، وألا نهجر الأرض لأنها الأم التي تعطي بلا حدود ، وأحلى شيء أن نتمسك بكل القيم الأخلاقية ، ونبل الانسانية والمساواة أمام القانون والدستور ، وأن نوازن بين الحقوق والواجبات ، وأحلى شيء أن نهمس في آذان حكامنا أن أرحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء وإن لم تستطيعوا أن تحققوا العزة والمجد والأمل بيوم أفضل لنا ولأطفالنا ، وللوطن العربي الواحد الذي نحب ونعشق . أتركونا وشأننا ليرحمكم الله من غضبه وغضبنا . لقد ارتفع منسوب الألم في حياتنا ، ومن حقنا عليكم أن تكونوا بمستوى مانطمح ونأمل . وكيف يفرح الشباب وهو يسابق الزمن برحلة ماراثونية لاتنتهي من أجل تأمين لقمة الخبز والصحة والعمل والتعليم والبيئة والأمن الغذائي والحقوقي ، ويخوض معركة الحياة بعيداً عن الرشوة والفساد والمحسوبيات ومزاجية التعامل مع حقوقه الانسانية . إن المخاطر في حياتنا العربية كبيرة ومتعددة الوجوه ، وغياب الوعي بالحقوق ينتج أحداثاُ أكثر خطورة على صورة المستقبل ، وقادة وزعماء الأمة الكبار مدعوون لصحوة ضمير بعيداً عن آليات تقنيات الحكم وخلفياته وأسراره . صحوة نحو الشباب وقضاياهم وهمومهم . حتى يهرع المؤمنون للمشاركة في جنازاتهم حين يحل الرحيل ، ولقراءة الفاتحة على أرواحهم محبة وأحتراماً . لاخوفاً ورعباً ، وأوامر طغيان واستعباد . أيها الشباب علمونا كيف ندخل بوابات المستقبل الأفضل بمسؤولية واقتدار . فأنتم القادة وكل الكبار هم الرعية .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق