
| كانت الساعة تشير الى منتصف ظهيرة الثاني من أيلول عام 1987 والحرارة بدأت تشتد لتنبيء بيوم قاس . العيون شاخصة باتجاه ساحة القنيطرة الرئيسية حيث تمركزت عدد من السيارات والعربات بعضها لرجال الأمن المكلفين بحماية المكان والبعض الآخر لنقل وقائع الأحتفال المتواضع الحجم . العميق التأثير في تلافيف دماغ الزمن والتاريخ . تعانقت الأيدي وسط عناق فردي بين ذلك الشاب الذي سرحت عيونه بعيداً وكأنها ترحل عن المكان الى عوالم أخرى وعدد من الناس نصفهم من أقربائه جاؤوا من مسقط رأسه في حلب الشهباء التي عرف فيها لذة أول شهقة من نسمات الحياة. الحدث يثير الغرابة بعض الشيء بعض الناس كان مشدوهاً يكاد لايصدق مناسبة وجوده وآخرون يتلهفون للحظة انطلاق الرحالة وعيونهم تشخص نحو محافظ المدينة الذي عدل من وضع نظارته وهو يهم بدخول متحف المدينة حيث صور الدمار والخراب والشواهد والآثار التي تحكي قصة استشهاد مدينة عرفت حياتها كل ألوان البطولة والبسالة وأشكال الصمود والمواجهة والكبرياء وقد عكست ذاكرتها ملخص قضية شعب وامة قدر لها أن تكون في موقع الدفاع عن كل القيم الحضارية والانسانية وقد أعطت من شرايين دمائها ومن نشاط مفكريها وعلمائها وأبنائها وقادتها أعظم ملاحم التفوق والأمجاد والعلوم والمعارف والتضحيات ولم تجن سوى الغدر والعدوان والتآمر ومحاولات الهيمنة والتسلط والأستهتار بحقوقها ومستقبلها. كانت الجموع المحتشدة تنتظر حول سارية العلم الوطني الذي تكحل لأول مرة بعيون الأب القائد حافظ الأسد وهو يعلن تحقيق الأنتصار على أرضية الجغرافيا والواقع السياسي الذي تحكمه معادلات غير متكافئة تقيد النفس الانسانية وحريتها وتحطم قدراتها وتبعث الشك بامكانيات نهوضها ومواجهتها لمختلف التحديات العصرية وكان ذلك الأنتصار تأكيداً عظيماً على قدرة النفس الأصيلة وارادة المواجهة في صنع الأنتصار وبدء مرحلة جديدة . وتتابعت مراحل تنفيذ برنامج الانطلاقة . وبدأت الخطوة الأولى في مسيرة التسعين ألف كم على الأقدام . لم أكن أحلم يوماً بتسميتي بطلاً أو وضع اسمي في معجم جينز للأرقام القياسية أو الأعمال غير المألوفة كان همي ايقاظ الضمير الانساني في كل بقاع الأرض وتنبيهم الى مآسي الحروب وعذابات الناس وآلام الأطفال الأبرياء الذين لاذنب لهم كي يتحملوا وزر مصالح ومخططات وجبروت وظلم القوى التي لاتنظر للأنسانية إلا عبر استعبادها وجعلها أسيرة أهواء ومنافع البعض الذين حولوا المكاسب والمال الى دين جديد وهم لادين لهم الا الجشع والطمع والوحشية. وبدل أن تتطور الحضارة نحو الأفضل انحدرت نحو مواقع ومواقف لاتنتمي للحياة الانسانية بصلة وكنت اؤمن أن تعزيز وعي وتأثير الرأي العام العالمي يمكن له أن يعيد تلك العقول والقوى الظلامية الى جحورها ويقيد من مساحة تجاوزها للقيم العادلة التي لايختلف البشر حولها. وكنت أشرح للناس في كل مكان حقيقة مانعانيه في منطقتنا العربية والظلم الواقع علينا وعلى تاريخنا وقد شكلت الرحلة بمختلف نشاطاتها محطة اعلامية متنقلة تلمس العقل والضمير والوجدان الانساني في وقت واحد وقد شعرت بعظمة ساحة الصداقة نحونا مما لايستقيم معه وجه التشويه المتعمد ضد حضارتنا. وكانت ذاكرتي قد غمرتها صور البؤس والألم والموت والعذاب الذي يعصف بحياة ملايين الناس في ظل استمرار الصراع الدولي والاستهتار المتعمد بحقوق البشر وفي مقدمتهم الأطفال الأبرياء في كل مكان . وكنت ادرك منذ البداية أن تلك الصرخة الانسانية الجريحة التي اطلقها دفاعاً عن الأطفال في العالم والتي تتجاوز كل حدود لازالت تفصل بين الأمم والشعوب ربما تكون صرخة في واد سحيق . ورغم وعورة الدرب وقسوة المعاناة الكبيرة في ظل البرد القارس والثلوج والرطوبة والحر والأمطار والسير في الوديان والغابات والجبال ومواجهة الحيوانات المفترسة ومختلف الأخطار والأهوال . رغم ذلك كان ايماني بعدالة وقدسية تلك الرسالة يزداد يوماً بعد يوم.لقد منحني دفء الحب والتضامن العميق الذي وجدته في كل مكان ومن مختلف الأوساط الشعبية والرسمية الدولية والعالمية قدرة كبيرة على الاستمرار في مواجهة مختلف التحديات والظروف وأثبت لي أن صوت الطفولة يمكن أن يتجاوز كل المعيقات في الواقع الكوني لهذا اؤكد دائماً على أن : الحب طاقة عظيمة لو قدر لها أن تفعل فعلها لغيرت وجه العالم . ومن بلد الى بلد ومن عاصمة الى اخرى كان نداء انقاذ أربعين ألف طفل يموتون يومياً من الجوع يهز ضمير كل انسان حقيقي يشعر بروح المسؤولية التضامنية مع ألام وأحلام وطموحات تحقيق العدالة للناس في كل مكان . ومع شهقة كل طفل يولد في عصر الألم كان النداء يزداد انتشاراً كأنه الحياة التي تدافع عن استمرارها. انها صرخة آلام الأطفال ودموعهم ولسان حال المتضامنين مع سفيرها في العالم يقول: ياحامل السلم في ترحالك الأمل********* بأي معجزة غراء ترتحل صوت الطفولة غصات وحشرجة*** هيهات تغضي عن الأنات يارجل لسوف تبقى لها ناراً على علم ******* فما الثريا اذا شعت ومازحل وصلت بالجهد لم تبخل بغالية ***** يقضي الأبي شهيداً حين لايصل كفرت بالصمت والايمان رائدكم ****** الصمت أحمد إثم ليس يغتفر أبا السلام حملت العبء عن ثقة **** وفي حناياك جمر الحب يستعر مددت بالحب للأطفال ألف يد ***** كل الأماني ببعض الحب تختصر تحية الود كالأنسام عاطرة ***** فداء تلك المساعي السمع والبصر | |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق