الخميس، 12 مارس 2009

نريد ديكتاتورية تؤمن لقمة الخبز ... بقلم : الرحالة العربي ابن الجبيلي













أصدقاء أربعة اجتمعوا في مساء أحد أيام دورة الزمن المستمرة . وقرروا انتاج فيلم سينمائي على مسرح الخيال . الأول طلب أن يمثل دور الشعب والثاني دور التاجر والثالث ضمير الزمن . وقد اعترض الأخير قائلاً : لماذا تورطوني بالقيام بدور الحكومة . هذا ظلم لا أستطيع تحمله .

وقد خضع صاحبنا لاختيارات الآخرين لأنه من العبث أن تختار بعد أن تملىء كل المقاعد الشاغرة . وجسد اعتراضه في سجل المشروع قائلاً : ان شرطي الوحيد عدم الاساءة لي وقذفي بشتى النعوت والالفاظ . ان كرامتي من كرامتكم حتى لو لم تعجبكم مخططاتي وسلطاتي. وعظمة أفكاري وترهاتي . وقوانيني وتشريعاتي . وحساباتي وسياساتي .

وبدأ العمل بالاتفاق على لقاء حواري على رصيف الديمقراطية . فهي القاسم المشترك بينهم . وكل منهم مؤمن بها ويستعين بصوتها وسوطها للتغلب على الاختلاف .وبدأت ملامح اللوحة الفنية الاولى تظهر على شكل الفيلم والسيناريو المرتقب .

الشعب : نريد من الحكومة أن تؤمن لنا المسكن والتعليم والرعاية الصحية اللائقة. وفرص العمل ووسائل الترفيه والامن . والتنمية المستدامة في الاقتصاد والثقافة والحقوق . والحليب والغذاء والدواء ونريد .. ونريد ..ونريد

شمر التاجر عن ساعديه واسترخى على مقعده في حركة تنبئ عن قدرته على التعامل كوسيط بين الحكومة والشعب . أليست التجارة شطارة . ومن يستطيع تأمين متطلبات العيش والرفاهية ووسائل الانتاج وأدواتها غير التاجر. وعلت الابتسامة ثغره قائلاً : حسناً أنا أستطيع تأمين كل الحاجات المطلوبة للحياة اليومية والمستقبل بشرط أن تساعدني الحكومة الموقرة على حرية الحركة داخل وخارج الوطن . فالحياة علاقات عامة تجمع الناس في كل شيء . التجارة . الادب والثقافة . الشعر والموسيقى . الفن والابداع والعلوم . الصناعة والزراعة . كل شيء له ثمن وقيمة ووجود . وأنا أستطيع تأمين كل حاجات الاسواق والابواق .

نظرت الحكومة الى التاجر بعين الريبة والشك . أليست مسؤوليتها بناء الاقتصاد وحماية المجتمع من الاستغلال والجشع . وتأمين رضى الشعب عنها وتأييدها . ومنحها ئقته ومحبته . وهذه الاشياء لا تتأمن باعطاء الحرية للتاجر . وعدم ممارسة الحكومة لمسؤولياتها يجعلها غريبة عن الشعب . وقد يصبح التاجر في يوم من الايام هو الحكومة . لأنه يمسك بخطوط البطن والعقل والأفكار . وبذلك يصيب الحكومة بالانكسار والانهيار. فتفقد هيبتها وجبروتها . وأحلام عظمتها وقيادتها لسفينة الوطن والنظام والتاريخ .

نهض ممثل الحكومة من مكانه وكأنه يريد انهاء الحوار قائلاً : ان الحرية مسؤولية كبرى وحياة المواطنين في هذا البلد من مسؤولياتي . وأنا الذي يقرر ويمنح . ويحاسب ويشرع ويشرح . ويخطط ويقود ويمثل . ويحدد مايضر وماينفع . وهذا الشعب شعبي . والتاجر لا حرية له ان لم يكن تحت امرتي . نحن لسنا في بلاد الواق واق . ولا نعيش على سطح القمر حيث القرب من الله يغني الناس عن الحاجة للحكومة . واني اقرر ما يلي : أولاً وثانياً وعاشرا ..وووووو والشعب معي . واستدار باتجاه ممثل الشعب قائلاً :قل أنت معي وكل شيء سيكون على ما يرام . فقفز ممثل الشعب من مكانه فرحاً بأنه سيتحد مع الحكومة ويصبح أكثر قوة ومنعة من السابق . وبدأ يصرخ بأعلى صوته : نحن هنا نؤيد الحكومة ونتوحد معها. في السراء والضراء فهي منا ونحن ندعمها . أليست من يتحمل همومنا. وشجوننا . وأحلامنا . وتدافع عن مصيرنا في وجه كل معتد على أرضنا وتراثنا وتاريخنا وحضارتنا ومصالحنا . وهي التي تتبنى أعظم المواقف المشرفة من أجل مستقبلنا وحريتنا وكرامتنا. وبدأ ممثل الشعب بممارسة دبكة شعبية تعبر عن الصدق والفرح وكأنه قد مسه شيء من فن الجنون . فما كان من ضمير الزمن الا أن غادر قاعة المسرح ولسان حاله يقول : آه .. أه .. أه

اللوحة الثاني : اجتماع في وادي الذاكرة بعد قرن من الزمن . لتقييم الاتفاق الاول على صياغة السيناريو للفيلم الذي لم ينتهي بعد . وقد وقف ممثل الشعب هزيلاً ولكنه واثق من المستقبل : لقد شهدنا كل أنواع السياسات الديمقراطية . والحريات والافكار العبقرية . في الاقتصاد والفن والتطوير والابداع . وعرفنا كل أشكال الحياة حلوها ومرها . طهارتها وفسادها. رقيها وتخلفها . وتعاملنا مع التجار الكبار والصغار . وبنينا وضحينا بكل ما نملك من أجل المستقبل . ولازلنا نقنع أطفالنا والاجيال تلو الاجيال . بأن المستقبل يشرق من سواعدنا وعيوننا . وقلوبنا ومحبتنا لبعضنا. وتضامننا مع أشقائنا . نطلب من الحكومة أن تحترم انسانيتنا. وتخلصنا من الديمقراطية التجارية . التي غزت أفكارنا دون أن تغذي بطوننا . نحن نطالب بالديكتاتورية التي تؤمن لنا لقمة العيش . وحرية التعبير عن دموع أطفالنا. وفلذات أكبادنا. لانريد الانضمام الى الاطفال الجياع الذين يموتون يومياً بعشرات الآلاف ويرحلون بصمت في افريقيا وغيرها من مناطق العالم . ونحن امة تعطي ولا نأخذ . تساعد ولا تطلب . وهاهو تاريخنا يبكي حاضرنا . سنمضي في طريقنا دون كلل ولا ملل. نقاتل بعظامنا وصدورنا العارية ولا نركع . لا للصمت ولا للمدفع . نريد من الحكومة أن تحزم أمرها وتعرف كيف تحمي أبسط حقوق هذا الشعب العظيم من كل يد تتاجر بقوت يومه والفاسدون في مقدمتهم . لأن هذا الشعب حتى لو أصابه الجوع سيبقى صامداً في مواجهة كل التحديات ولن يركع . وفجأة هرب التاجر وتخلى عن الحوار لأن الخوف من يأس الشعب وغضبه قد يقفز فوق الأقدار . والعدالة لاتعيش في الليل دون النهار . وقد أدرك هذا التاجر أن علاقته بالحكومة قد أصابها الانهيار، ولاشيء سيحميه من صرخة الاحرار، وخاصة حين تتحد الحكومة معهم .

نهض ضمير الزمن وأغمض عينيه وكأنه يريد أن يحلم ، والحلم ليس كفراً أو حرام .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق