من سلسلة قصص وتجارب على حلقات
الحلقة الثالثة
عدل السيد جورج من جلسته قرب طاولة مكتبي في مدينة ديربورن وقد لمعت في عينيه حرارة دمعة تعكس شعوراً بالإنكسار النفسي العميق . حاول إخفائها أمامي ليغوص بذاكرته البعيدة في بحر الأحزان والجراح التي أرخت للتجاعيد في وجهه آثار المعاناة والعذاب الفكري والإجتماعي بسبب تلك الأحداث الصعبة والتي وضعته كرجل عمل في جهاز أمن الدولة السياسي لفترة من حياته في سلك الشرطة ومراقبة الحدود مع الجوار الجغرافي في وضع محرج جداً لايحسد عليه . فكيف يستطيع التصرف وهو يواجه عاراً يمكن أن يدمر سمعته ومكانته الإجتماعية بين الناس للأبد . وهو الحريص على شكل من الكبرياء والإحساس بالعزة والكرامة ونظافة اليد والعفة والمسؤولية بين أبناء بلدته على أطراف الأرض المحتلة في مرتفعات الجولان . أرخى رأسه قليلاً وهو ينظر للسجادة الحمراء على أرضية الغرفة محاولاً إستعادة تفاصيل تلك الليلة التي فرضت عليه أحداثها مرارة الحزن والغضب وجرح العنفوان .. وقال لي كان الوسطاء قد طلبوا مني أن أحدد مطالبي بعد هروب هديل مع ذلك الشاب إلى منزله ومبيتها عند أهله في القرية .. طلبت منهم مبلغ خمسة وعشرون ألف ليرة تعويضاً عن الفضيحة العار . وقد علمت بالموافقة على ذلك رغم علمي بأن الشاب لايملك ولايمكن له تأمين هذا المبلغ يومها . وكان في ذهني أشياء وأشياء لايمكنهم فهم حقيقتها . وطلبت إجتماع الوجهاء منهم والأعتراف بالخطيئة التي حدثت بواقع الخطف المتبادل أو الهروب إلى بيته وعدم العودة لبيت أهلها . وأن يصار إلى تقديم الأعتذار العلني عن ذلك قبل إبداء الصفح والتسامح.. وهنا لمحت مرة أخرى على تعابير وجهه ضخامة الصراع النفسي الذي لم يتجرأ على تجاوزه قبل حوارنا في مكتبي . ودمعت عينيه مرة أخرى بحرارة الحزن الدفين وهو يقول : مشيت في آخر الليل على دروب القرية الترابية ومعي أطفالي الصغار وصرة من ملابس إبنتي ( أربعة عشرة عاماً ) محمولة على كتفي وأكاد أن أسقط على الأرض في كل خطوة تقربني من منزل ذلك الشاب !! . كنت منكسر النفس . محطم الجناح . مهزوم الخاطر والكرامة . ولم أكن قادراً على إستيعاب ماحدث رغم كل الخطوات التي فرضتها كشروط على الآخر من خلال الوسطاء والتي تم قبولها جميعاً وبالأخص إصراري على المبلغ الذي قاموا بجمعه من أهله وأقربائه . ولم يكن هدفي قبوله أبداً ولكني كنت أعد لمفاجأتهم بموقف لايستطيعون الرد عليه . وهذا ماحدث في الإجتماع الكبير لحل المشكلة بسؤالي : ومن يعيد إلي كرامتي المهدورة ؟؟؟ . وأكمل الوالد ذكريات ذلك اليوم القاسي والحزين قائلاً : في كل خطوة كنت أشعر بالموت ألف مرة . وتذوب أعصابي في عتمة الليل الحالك الظلام . وتتمزق شرايين قلبي بقسوة القدر . حتى فتح الباب والجميع يتوقع المفاجآت . وفي الأذهان آلاف التساؤلات من يضبط إيقاع الفعل المجهول . فقد تفلت الأمور من زمام السيطرة وتقع جريمة قتل مباشرة . وربما تحدث كارثة من نوع آخر . وأضاف : وماأن رأتني هديل حتى سقطت على الأرض في منتصف قاعة الضيوف مغشياً عليها من شدة الخوف والرعب والموقف الصاعق !!! . يتبع
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق