الجمعة، 21 مايو 2010

قصتي مع هديل .. الحلقة الثانية .. بقلم الرحالة العربي ابن الجبيلي



من سلسلة قصص وتجارب على حلقات

الحلقة الثانية

قلت لها : أشعر بألف كتاب في داخلك يئن للتمتع بالحرية والإنطلاق . هل لي أن أشهد معك عرس البوح بالذكريات الدفينة في الأعماق . نظرت لي وكأنها تسرح نحو المجهول البعيد . تستعيد شريط الذاكرة المتعبة على محاور الدنيا . وبدأت تتحدث كأنها تكتشف أسرار الطفولة المنسية وقد نطقت بحروف تشبه الطلاسم حتى جاء صوتها من الصمت المحدق فينا . أسقطت بتدخلي الهادىء عليها خلوتها مع مساحة العودة المؤلمة إلى بدايات النشأة الإجتماعية التي رافقتها العصافير والطيور بفرح الروح . قالت لي وهي تكاد تغمض عينيها لترحل عن الزمان والمكان إلى هناك حيث تفصلها اليوم آلاف الأميال :
لم أكن أدري ما الذي كان يحمله لي ذلك الصباح ولكني كنت أحس بشيء غريب يقترب من صدري ويضغط على أنفاسي . إستيقظت على نور يوم جديد . كانت الشمس ترسل أشعتها الذهبية لتغطي مساحة قريتنا الصغيرة خبب وتسكن بين بيوتها الحجرية العتيقة وهي تنام يومياً على صلابة الأحجار والصخور البازلتية السوداء وتشم رطوبة الأرض ورائحة مكوناتها الريفية التي تنبعث منها نسائم الطبيعة الخلابة والبسيطة ويزيد من تألقها وجود تلك الأشجار الوارفة من مختلف الأنواع وإنتشار مساحاتها بين الخضرة والقحط . أخذت نفساً عميقاً يهدر بصمت الآهات وتابعت : كنت أعشق بيت جدتي التي تكونت فيه أجزاء غزيرة من ذاكرة طفولتي . كان كل شيء في زواياه وغرفه المتناثرة تأسر ألبابي وتجعلني أشعر بقيمة الحياة . وصرت أتمتع بشعور خاص حين أعبر الدرج الخارجي لأقفز بين فواصل البناء بإتجاهي إلى غرفة المطبخ المعزول عن الساحة الخارجية للبيت . وقد تعلقت كثيراً بذلك المنزل لوجود جدتي فيه والمواقف الحنونة التي إحتضنتي بها كلما مكثت معها . حيث كانت تقدم لي أطيب أنواع الطعام والحلوى في كرم يعكس طبيعتها السمحة والحنونة والكريمة ولكن تمر بعض الظروف والأحداث التي لم أكن أفهمها . ويتدخل القدر أحياناً لتعصف الخلافات بين جدتي وعائلتي فأفقد تلك الإمتيازات التي أجدها عند جدتي الطيبة . وبطبيعة الحال لم أكن على قدرة أن أبوح برغبتي في مخالفة مفاهيم أسرتي والتردد على جدتي . ومع وقت التباعد الذي يطول أحياناً . يسود الحنين والأشواق لها دون أمل بتجاوز الخلافات التي كنا كأطفال ندفع ثمنها بحرماننا من كل المأكولات اللذيذة التي نتناولها في بيت جدتي . ولكن لاحيلة لي في أن أفعل شيئاً ومع الوقت بدأت التعود على ذلك التباعد رغم رغبتي بزواله . كانت أمي من النوع الذي إذا أصر على شيء لايمكن لكل الدنيا أن تغير رأيها . على عكس والدي الذي كنت ألمس التشجيع والمساندة منه على بعض الحرية والأستقلالية في التعبير عن نفسي وسلوكياتي . ومع ذلك فأنا لاألوم أمي على أفكارها وسلوكها فهي بنت بيئتها . ومتى كان الإنسان مستقلاً عن بيئته الإجتماعية . ولكني لم أعرف يوماً عن واقع ظروفها الأسرية مع أهلها . فقد كنت صغيرة ولاأفقه في هذه الأمور وتعقيداتها . وكان جل إهتمامي في بدايات طفولتي الغضة أن أثبت للمحيطين بي من أطفال الجيران والمدرسة أني أقوى منهم جميعاً . وكان طولي يمنحني سلطة فوقية يتمناها الكثيرون وخاصة الأولاد الذكور الذين عانوا الأمرين من سطوتي عليهم وتأديبهم عبر صفعاتي وقبضات يدي الحاسمة إضافة لركلات أقدامي التي كنت أجيدها بمهارة يحسدني عليها كل من ذاق طعمها ولم ينساها . وكنت أشعر بسعادة غامرة وأن أرى الآخرين يستسلمون لفتوتي القوية . كنا نقضي ساعات في المدرسة نتلقى فيها مختلف أنماط المعرفة والعلوم والتربية وقد تميزت بين أقراني من التلاميذ بكثرة الحركة وصخب محاولات الأستحواز على الزعامة المبكرة منذ الطفولة . حيث كانت ضحكاتي أكبر من قدرتي على فهم حالة الأطفال الذين أتسلى بمتعة كسر أي محاولة منهم لمواجهتي . وكانت أمي تتلقى سيلاً من الشكايات ضدي من معلماتي . ولكني لم أهتم يوماً بذلك . وكنت سعيدة بمساندة والدي المعنوية لي في ضرب كل من تسول له نفسه مواجهتي أو تحدي سلطتي الفوقية عليهم . تتمة .......






ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق