الخميس، 27 مايو 2010

قصتي مع هديل .. الحلقة السادسة .. بقلم الرحالة العربي ابن الجبيلي


من سلسلة قصص وتجارب على حلقات

الحلقة السادسة

توالت الأحداث المتسارعة في حياة هديل وتصاعدت حدة الإختلافات والتوترات مع زوجها بسام لتصل إلى حدود التصادم بالأيدي وممارسة العنف المتبادل . وقد قررت هديل الإنتقام منه . فعزمت على تحرير لغة الجسد من كل العوامل المقيدة . وبدأت تتحين الفرصة لبناء علاقة تعيد إليها مشاعرها المكبوتة وتشفي أنوثتها من الجراح العميقة التي حفرت تأثيراتها المدمرة على نفسيتها وسلوكياتها اليومية . وزاد شعورها بالصداع المزمن في رأسها ليتطور إلى حالات غثيان وغياب مفاجىء عن الوعي قاد الأطباء إلى الشك بإصابتها بمرض الصرع . لكن التحاليل والفحوصات المختلفة لم تثبت ذلك .كانت هديل تدرك أن نقطة ضعفها في حل مشاكلها عدم التوافق مع الأهل . ورفض الأنتقال للسكن معهم في مدينة ديربورن هايتس المجاورة فيما لو إنفصلت عن زوجها. وهم لم يكلفوا أنفسهم يوماً بإعتبارها فرداً من الأسرة كي يضعوا صورتها إلى جانب صور بقية العائلة المعلقة في منزلهم . وقد آلمها ذلك جداً وكانها أصبحت منبوذة إلا من تكرار النواهي والأوامر التي كانت تتلقاها كلما إشتكت من عبث بسام . (عليك أن تتحملي هذا الوغد ) . كلمات تواظب على سماعها بعد الحين والآخر . ولكن لاأحد يبالي بمشاعرها ومعاناتها الحقيقية كإمرأة تملك كل مقومات الأنوثة والحق في التعبير عن كينونيتها الإنسانية . الجسد عار وأنا عبثت به منذ زمن . قالت هديل في داخلها . أريد أن أعيد النضارة لجسدي وأحطم تلك الحدود المصطنعة من المفاهيم الغيبية . وذلك الخائن الذي أدمن العيش في وحل الخطيئة . فمن يمنعني من إعادة الكرامة لجسدي المكلوم بإتهامات أنانية الزوج الظالمة . ( أنت عاجزة ولم تعودي تصلحين كي تدفئي فراشي) . هذه الحروف أسقطتها في غمار البحث عن تجديد الثقة بالذات الأنثوية بعد أن تغلغل الشك إلى نفسها ليحدث إضطراباً عميقاً في تكوينها ومفاهيمها ونظرتها للحياة . وقد تساءلت في داخلها . هل أنا على هامش الموت العاطفي المتدرج في أوصالي ؟ . وهل هناك دواء أستطيع إمتلاكه بعيداً عن ذلك الخائن الذي قدمت له كل شيء ولم أجني سوء الإهانة والإستغلال والإستهتار . وغياب الأمان والإستقرار !!! . في كل الأزمنة كان للجسد سلطة لاتوازيها مكرمة إلا خيالات الإنسان . لم تألوا هديل جهداً في أعماقها حين تتخيل نفسها منتظرة ذلك الفارس الذي يأتي على حصان أبيض مثل أحلام كل الفتيات المقبلن على الإنتماء للدنيا بألوانها ومساحاتها الكبيرة يحدوهن الأمل بيوم أفضل . وسعادة أرقى . وهي كإمرأة تعاني من قمع الرغبة لتجربة جديدة . لتؤكد حقها في التواجد على جغرافية الشعور بأنها صاحبة سلطة لايستطيع أحد أن يجردها منها . ألم يعرف المغفلون على الأرض أن المرأة التي قيل يوماً أنها عندما تهز سرير الطفل بيمينها تستطيع أن تهز العالم بشمالها . ولكن هديل كانت مشاع لكل إستضعاف من المحيط الإجتماعي . موصومة بالعار الأبدي فمن يعيد لتاريخ حياتها متعة التحليق بلا قيود علنية أو سرية . كانت تلك الأفكار المبعثرة تراودها أثناء عودتها من مكان عملها الذي يبعد عدة أميال عن منزلها سيراً على قدميها المتعبتين في ظل الإحساس الصاخب بالقهر والألم مما آلت إليه الأمور في حياتها وإنشغال تفكيرها بظروفها القادمة لو حصلت على وثيقة الطلاق المدني من المحكمة الأمريكية في ديترويت . وحيث كان جل إهتمامها البحث عن كيفية ولون وشكل الحياة بالنسبة لطفلها الذي يصارع الزمن كي يغمض عينيه على حلم جمع بسام مع والدته بلا مشاكل أو أحزان وضغوطات ومنغصات . وقد بلغ الخامسة عشر من عمره دون أن يشعر يوماً بقيمة الحب الأسري وليطرد من المدرسة لاحقاً لإعتدائه على أحد التلاميذ بالضرب . ونزوعه إلى العدوانية التي يبذل المشرفون على مدارس مدينة ديربورن جهدهم للتصدي لها . وحيث تتسرب يومياً عوامل جديدة من السلوكيات الشاذة لأبناء الجالية العربية الكبيرة فيها والتي تشكل أكبر تجمع عربي يزيد عن الثلاثمائة ألف نسمة على مستوى الولايات المتحدة . حيث وصل الأمر إلى حدود الإباحية العلنية . مما دفع الكثيرين من الشباب للعزوف عن الزواج من مجتمعها لشيوع ظواهر الحمل والإجهاض عند الفتيات الصغيرات . وإنتشار المخدرات في المدارس . وتشكيل عصابات من المراهقين تدربهم على إرتكاب جرائم السرقة والقتل والإحتيال . والتي تورط فيها الكثير من الشباب العربي الذي ضاع بين ثقافة الإنتماء للمجتمعات الشرقية المحافظة . وبين حرية الإباحية الغربية التي يحميها الدستور والقانون . وقد ينطبق على حال هؤلاء الشباب التائهين القول المأثور : ( ليس اليتيم من إنتهى أبواه من هم الحياة وخلفاه ذليلاً . إن اليتيم الذي تغفى له أماً تخلت أو أباً مشغولا ).. وبينما كانت هديل مستغرقة في صخب تفكيرها وأحزانها حتى تناهى إلى سمعها صوت شاب من داخل إحدى السيارات التي توقفت على جانب الطريق يعرض عليها توصيلها إلى منزلها . كانت كلمات السائق القليلة قد إخترقت متاهات مشاعرها المتأرجحة . ولم تكن لتتردد في الإستجابة لطلبه لحظة . فالجو قاس ببرودته والثلوج تغطي كل الأماكن المحيطة . وبسام منشغل في عمله كسائق في مطار المدينة ولاوقت لديه لإيصال زوجته وإعادتها من العمل . وهديل بحاجة إلى تحرير جسدها وعنفوانها المجروح . والسائق الشامي فواز يجيد العزف على الكلمات التي تخدر النفس والفكر والقلب قبل أن تفعل المخدرات والسموم الحقيقية فعلتها في تغييب هديل عن الإحساس بديمومة الحياة ...يتبع

الثلاثاء، 25 مايو 2010

قصتي مع هديل .. الحلقة الخامسة .. بقلم الرحالة العربي ابن الجبيلي


من سلسلة من قصص وتجارب على حلقات

الحلقة الخامسة


كانت الأحداث التي أحاطت بحياة هديل قد أفرزت عوامل إجتماعية ونفسية حادة جداً في واقع عموم أفراد أسرتها في قرية خبب . وكان الهم الرئيسي لها هو البحث عن مخارج لتجنب المزيد من التوترات . ولهذا كان الإتفاق السري مع زوجها بسام أفضل الحلول لتغطية حيثيات الفضيحة . وتحقق للزوج الإنتهازي كل مايخطر ومالايخطر على باله من أهداف كان يبحث عنها ..المال والمتعة.. والإتكالية والإستغلال . والإستفادة من جذور جد هديل لوالدها الذي عاش معظم حياته في أمريكا وأنجب من زواجه من إمرأة أمريكية ثلاثة بنات إحداهن السيدة جنيفا التي كان لها الفضل في تسهيل هجرة أسرتها إلى الولايات المتحدة . والقانون الأمريكي يمنح صلة القرابة الحق في جمع الأقرباء ويسمى بقانون ( لم الشمل ) كانت عمة هديل إمرأة على علاقة ونفوذ كبير في الإستخبارات الأمريكية السي آي إي وقد عاصرت فترة عمل المبعوث الأمريكي إلى متاهات الحرب اللبنانية والإجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982 وخروج الفصائل الفلسطينية منه. فقد كانت أخت جورج في الوكالة على علاقة مباشرة مع فيليب حبيب ذو الجذور اللبنانية والذي كان دوره أساسياً كمبعوث شخصي للرئيس الأمريكي للتوصل إلى حلول مع مختلف الأطراف ذات العلاقة مع الأحداث . وكانت سورية في عهد الرئيس الراحل حافظ الأسد لاترتاح لدوره المشبوه مما أدى إلى توترات مع إدارة الرئيس ريغان وخاصة بعد إسقاط طائرتين أمريكيتين في الأجواء اللبنانية من قبل الدفاعات الجوية للجيش العربي السوري أثناء المواجهة العسكرية في أجواء منطقة بحمدون الجبلية بمساعدة المدمرة نيوجرسي وقد تم أسر العقيد الطيار الأمريكي روبرت غودمان وقتل الطيار الآخر . وأصيب طيار ثالث بجروح وتم إنقاذه وذلك في الرابع من كانون الأول عام 1983 . حيث آثرت سورية عدم الإعلان الرسمي عن ذلك في البداية وترك الأحداث تتصاعد وسط تكهنات بعدم قدرة سورية على التصدي لطائرات البحرية الأمريكية المتطورة من طراز ماك 14 . حتى كان الإفراج عن العقيد الطيار صفعة لمصداقية الرئيس الأمريكي الذي تورط بالإعلان عن عدم تصديقه أنباء وجود الطيار في سورية أو خبر إسقاط طائرة أمريكية . وبعد تلك الأحداث الدرامية تم تسليم الضابط المذكور للقس الأمريكي السيناتور جيسي جاكسون لدى حضوره إلى دمشق . وتمت أعادة غودمان إلى الولايات المتحدة في الثالث من كانون الثاني عام 1984 بعد رفض سورية المتكرر للإفراج عنه وربطها ذلك بتطور العلاقات مع الجانب الأمريكي رغم إلحاح الرئيس ريغان شخصياً على إطلاقه بهدف الإستفادة السياسية من زحمة الإستعدادات للإنتخابات الأمريكية . كان السيد جورج والد هديل قد كشف لي عن علاقة شقيقته وإستعدادها الدائم لدعمه ومساندته رغم عدم إرتياحها لطريقته وسلوكياته في الحياة . وفي أمريكا وجدت هديل نفسها في عالم آخر . عالماً جديداً يختلف عن الحياة الشرقية بكل ألوانها . وقوانين تتيح للحياة أن تكون أكثر إستقراراً وطمأنينة بموجب قانون المساعدات الإجتماعية للعاطلين عن العمل وغيرهم . ووجدت نفسها في إطار من النظم والقوانين تستطيع من خلالها تحقيق بعض الإستقلالية في سلوكياتها ونوازعها . وقد عزمت على الإستفادة من أقصى حدود للغة الجسد . وهي التي عانت الأمرين من عبث زوجها الإباحي العلني مع النساء الذين وجدتهم يحتلون فراشها بفظاظة دون أن تستطيع البوح بحقها الإنساني بالرفض وبالموقف المتمرد والتصدي الطبيعي لهذه الممارسات . والرد على إهانة أنوثتها الطاغية رغم آثار جراحاتها النفسية العميقة التي تراكمت على حياتها وعصفت بشخصيتها وأفكارها ومشاعرها منذ زمن . كانت تشعر بذل الحقيقة التي إستغلها بسام بشكل قاس جداً . أليست هديل عار أسرتها الدائم ؟ ألم يدفعوا له ليصمت عن الحقيقة ؟ هو يعتقد بأنه ساعدها كثيراً مقابل مساعدته على الهجرة لأمريكا . أما هديل فقد ( ندمت على ذلك كثيراً ) . ( ستة عشرة عاماً لم يقل لي فيها كلمة .. أحبك ) . ( وكم فكرت مرات ومرات بقتله بصمت وربما بذبحه بسكين المطبخ في البيت ) . هكذا قالت لي أكثر من مرة .. لكني حذرتها من التفكير بذلك لأسباب كثيرة . ولأن رسالتي الإنسانية هي في نشر المحبة والسلام بين البشر لا لشيوع الضغائن والجرائم والأحقاد والعنف ... يتبع

الاثنين، 24 مايو 2010

قصتي مع هديل .. الحلقة الرابعة .. بقلم الرحالة العربي ابن الجبيلي


من سلسلة قصص وتجارب على حلقات

 
الحلقة الرابعة

إنشغل الجميع في محاولة إنعاش هديل التي لم تتحمل رؤية وجه والدها الذي تلعثمت الكلمات في حنجرته كانت نظراته الحادة تعكس أنين قلبه المجروح ومشاعره الغاضبة في الأعماق وقد حاول أهل الشاب الذين كانوا يخفون علمهم بحقائق لوعرفها والد الفتاة لحدث مالم يكن أحد قادراً على تصوره أو الإحاطه به . كانت هديل حاملاً من شاب آخر تورطت بعلاقة حميمية به قبل تعرفها على الشاب الجديد . وقد حاول والد الجنين أن يتقدم لخطبتها لكن الأهل رفضوا طلبه الذي تكرر مرات دون جدوى . وفي فترة قصيرة جداً أصيب الشاب الذي يكبرها بستة أعوام بمرض خطير في الرأس تم تشخيصه على أنه حالة صرع من قبل الأطباء وربما ورم لم يتم السيطرة عليه فقضى بعدها بشهر ضحية القدر والحزن واليأس من إيجاد حل لهذا الحمل وإنعكاساته على حبيبته التي عاشت أياماً وأسابيع من التوتر والقلق مع غياب أي علامات نسائية تنبىء بإمكانية التوصيف الخاطىء للحمل . ولم يكن بالمستطاع أن يتم اللجوء إلى إسقاط الجنين كحل يجنب الجميع فضيحة العار . حتى ظهر الشاب الجديد والتي تعمدت هديل الهروب معه وبناء علاقة عاطفية متسرعة مرة أخرى في حياتها للتمكن من حل المشكلة الخطيرة وإخفائها عن مجتمع القرية الوادعة ذات اللون الواحد من الإنتماء الديني . وكان لابد من أن تتجنب تكرار موقف الأهل لرفضهم الشاب الأول لأنه لامجال للتعامل مع دورة الزمن ببطىء قد يحدث كارثة إجتماعية في مجتمع متعصب تتوقف ملامح هدوئه على خبر من هنا أو هناك يمس الشرف والكرامة الإنسانية . وعذرية الفتاة عنوان دائم لشرف الأسرة وسمعتها عبر الزمن . وقد لعب القدر دوره في حل المشكلة بعد هروبها إلى منزل الشاب الثاني بفرض عمها الزواج الفوري دون علم حتى من أهلها ووالدها على وجه الخصوص لأن العم إدوارد قد تناهى إلى مسامعه أنها تورطت مع شاب في علاقة محرمة إجتماعياً حتى رتب مع الكنيسة زواجاً تكتنفه الكثير من الأسرار . وقد آسر الشاب الجديد الإعتراف للعم المذكور بأنه لم يكن الشاب الأول في حياتها . مما دفع ذلك العم إلى ضرب هديل على مؤخرة رأسها وأصابها بعاهة دماغية ترافقت مع صداع مزمن لازالت تعاني منه منذ ثمانية عشرة عاماً . وقد عجز الأطباء في أمريكا عن إيجاد حل ناجع لمأساتها الإنسانية . وقد علم الوالد بحقيقة أسباب تسرع العم بتزويجها قسرياً وبسرعة قياسية لايمكن للعقل تصورها دون أن يكون على علم بحيثيات متاهاتها وغموض مقاصدها حيث تحقق للشاب الإنتهازي الجديد كل مايصبو إليه من تحقيق متعة مع إمرأة جميلة جداً ومساعدة شهرية قدرها خمسمائة ليرة من راتب الوالد المسكين . والشرف نار إذا تم إيقادها فإنها قد تعصف بحياة كل المنتمين للأسرة بواقع الدم أو القرابة أو التاريخ الإجتماعي . ومع مضي السنين نكث الشاب بسام بعد زواجه منها بوعده بالتستر على الحقائق . وبطبيعة الحال لم يدفع مبلغ الخمسة والعشرين ألف ليرة ثمناً للتصالح مع والدها بعد عملية الخطف المتفق عليها مع هديل بل خان العهد بتهديدهم بإفشاء الأسرار كلما رغب بإبتزازهم بالمزيد من المساعدات والأموال حتى ولادة الإبن المكلوم بالمأساة حيث لم تشعر هديل يوماً بماهية دور الأم أو لذة ممارستها فكيف تصنع مستقبلاً للوافد الجديد وقد ولد من رحم الخطيئة ... يتبع

السبت، 22 مايو 2010

قصتي مع هديل .. الحلقة الثالثة .. بقلم الرحالة العربي ابن الجبيلي


من سلسلة قصص وتجارب على حلقات

الحلقة الثالثة

عدل السيد جورج من جلسته قرب طاولة مكتبي في مدينة ديربورن وقد لمعت في عينيه حرارة دمعة تعكس شعوراً بالإنكسار النفسي العميق . حاول إخفائها أمامي ليغوص بذاكرته البعيدة في بحر الأحزان والجراح التي أرخت للتجاعيد في وجهه آثار المعاناة والعذاب الفكري والإجتماعي بسبب تلك الأحداث الصعبة والتي وضعته كرجل عمل في جهاز أمن الدولة السياسي لفترة من حياته في سلك الشرطة ومراقبة الحدود مع الجوار الجغرافي في وضع محرج جداً لايحسد عليه . فكيف يستطيع التصرف وهو يواجه عاراً يمكن أن يدمر سمعته ومكانته الإجتماعية بين الناس للأبد . وهو الحريص على شكل من الكبرياء والإحساس بالعزة والكرامة ونظافة اليد والعفة والمسؤولية بين أبناء بلدته على أطراف الأرض المحتلة في مرتفعات الجولان . أرخى رأسه قليلاً وهو ينظر للسجادة الحمراء على أرضية الغرفة محاولاً إستعادة تفاصيل تلك الليلة التي فرضت عليه أحداثها مرارة الحزن والغضب وجرح العنفوان .. وقال لي كان الوسطاء قد طلبوا مني أن أحدد مطالبي بعد هروب هديل مع ذلك الشاب إلى منزله ومبيتها عند أهله في القرية .. طلبت منهم مبلغ خمسة وعشرون ألف ليرة تعويضاً عن الفضيحة العار . وقد علمت بالموافقة على ذلك رغم علمي بأن الشاب لايملك ولايمكن له تأمين هذا المبلغ يومها . وكان في ذهني أشياء وأشياء لايمكنهم فهم حقيقتها . وطلبت إجتماع الوجهاء منهم والأعتراف بالخطيئة التي حدثت بواقع الخطف المتبادل أو الهروب إلى بيته وعدم العودة لبيت أهلها . وأن يصار إلى تقديم الأعتذار العلني عن ذلك قبل إبداء الصفح والتسامح.. وهنا لمحت مرة أخرى على تعابير وجهه ضخامة الصراع النفسي الذي لم يتجرأ على تجاوزه قبل حوارنا في مكتبي . ودمعت عينيه مرة أخرى بحرارة الحزن الدفين وهو يقول : مشيت في آخر الليل على دروب القرية الترابية ومعي أطفالي الصغار وصرة من ملابس إبنتي ( أربعة عشرة عاماً ) محمولة على كتفي وأكاد أن أسقط على الأرض في كل خطوة تقربني من منزل ذلك الشاب !! . كنت منكسر النفس . محطم الجناح . مهزوم الخاطر والكرامة . ولم أكن قادراً على إستيعاب ماحدث رغم كل الخطوات التي فرضتها كشروط على الآخر من خلال الوسطاء والتي تم قبولها جميعاً وبالأخص إصراري على المبلغ الذي قاموا بجمعه من أهله وأقربائه . ولم يكن هدفي قبوله أبداً ولكني كنت أعد لمفاجأتهم بموقف لايستطيعون الرد عليه . وهذا ماحدث في الإجتماع الكبير لحل المشكلة بسؤالي : ومن يعيد إلي كرامتي المهدورة ؟؟؟ . وأكمل الوالد ذكريات ذلك اليوم القاسي والحزين قائلاً : في كل خطوة كنت أشعر بالموت ألف مرة . وتذوب أعصابي في عتمة الليل الحالك الظلام . وتتمزق شرايين قلبي بقسوة القدر . حتى فتح الباب والجميع يتوقع المفاجآت . وفي الأذهان آلاف التساؤلات من يضبط إيقاع الفعل المجهول . فقد تفلت الأمور من زمام السيطرة وتقع جريمة قتل مباشرة . وربما تحدث كارثة من نوع آخر . وأضاف : وماأن رأتني هديل حتى سقطت على الأرض في منتصف قاعة الضيوف مغشياً عليها من شدة الخوف والرعب والموقف الصاعق !!! . يتبع

الجمعة، 21 مايو 2010

قصتي مع هديل .. الحلقة الثانية .. بقلم الرحالة العربي ابن الجبيلي



من سلسلة قصص وتجارب على حلقات

الحلقة الثانية

قلت لها : أشعر بألف كتاب في داخلك يئن للتمتع بالحرية والإنطلاق . هل لي أن أشهد معك عرس البوح بالذكريات الدفينة في الأعماق . نظرت لي وكأنها تسرح نحو المجهول البعيد . تستعيد شريط الذاكرة المتعبة على محاور الدنيا . وبدأت تتحدث كأنها تكتشف أسرار الطفولة المنسية وقد نطقت بحروف تشبه الطلاسم حتى جاء صوتها من الصمت المحدق فينا . أسقطت بتدخلي الهادىء عليها خلوتها مع مساحة العودة المؤلمة إلى بدايات النشأة الإجتماعية التي رافقتها العصافير والطيور بفرح الروح . قالت لي وهي تكاد تغمض عينيها لترحل عن الزمان والمكان إلى هناك حيث تفصلها اليوم آلاف الأميال :
لم أكن أدري ما الذي كان يحمله لي ذلك الصباح ولكني كنت أحس بشيء غريب يقترب من صدري ويضغط على أنفاسي . إستيقظت على نور يوم جديد . كانت الشمس ترسل أشعتها الذهبية لتغطي مساحة قريتنا الصغيرة خبب وتسكن بين بيوتها الحجرية العتيقة وهي تنام يومياً على صلابة الأحجار والصخور البازلتية السوداء وتشم رطوبة الأرض ورائحة مكوناتها الريفية التي تنبعث منها نسائم الطبيعة الخلابة والبسيطة ويزيد من تألقها وجود تلك الأشجار الوارفة من مختلف الأنواع وإنتشار مساحاتها بين الخضرة والقحط . أخذت نفساً عميقاً يهدر بصمت الآهات وتابعت : كنت أعشق بيت جدتي التي تكونت فيه أجزاء غزيرة من ذاكرة طفولتي . كان كل شيء في زواياه وغرفه المتناثرة تأسر ألبابي وتجعلني أشعر بقيمة الحياة . وصرت أتمتع بشعور خاص حين أعبر الدرج الخارجي لأقفز بين فواصل البناء بإتجاهي إلى غرفة المطبخ المعزول عن الساحة الخارجية للبيت . وقد تعلقت كثيراً بذلك المنزل لوجود جدتي فيه والمواقف الحنونة التي إحتضنتي بها كلما مكثت معها . حيث كانت تقدم لي أطيب أنواع الطعام والحلوى في كرم يعكس طبيعتها السمحة والحنونة والكريمة ولكن تمر بعض الظروف والأحداث التي لم أكن أفهمها . ويتدخل القدر أحياناً لتعصف الخلافات بين جدتي وعائلتي فأفقد تلك الإمتيازات التي أجدها عند جدتي الطيبة . وبطبيعة الحال لم أكن على قدرة أن أبوح برغبتي في مخالفة مفاهيم أسرتي والتردد على جدتي . ومع وقت التباعد الذي يطول أحياناً . يسود الحنين والأشواق لها دون أمل بتجاوز الخلافات التي كنا كأطفال ندفع ثمنها بحرماننا من كل المأكولات اللذيذة التي نتناولها في بيت جدتي . ولكن لاحيلة لي في أن أفعل شيئاً ومع الوقت بدأت التعود على ذلك التباعد رغم رغبتي بزواله . كانت أمي من النوع الذي إذا أصر على شيء لايمكن لكل الدنيا أن تغير رأيها . على عكس والدي الذي كنت ألمس التشجيع والمساندة منه على بعض الحرية والأستقلالية في التعبير عن نفسي وسلوكياتي . ومع ذلك فأنا لاألوم أمي على أفكارها وسلوكها فهي بنت بيئتها . ومتى كان الإنسان مستقلاً عن بيئته الإجتماعية . ولكني لم أعرف يوماً عن واقع ظروفها الأسرية مع أهلها . فقد كنت صغيرة ولاأفقه في هذه الأمور وتعقيداتها . وكان جل إهتمامي في بدايات طفولتي الغضة أن أثبت للمحيطين بي من أطفال الجيران والمدرسة أني أقوى منهم جميعاً . وكان طولي يمنحني سلطة فوقية يتمناها الكثيرون وخاصة الأولاد الذكور الذين عانوا الأمرين من سطوتي عليهم وتأديبهم عبر صفعاتي وقبضات يدي الحاسمة إضافة لركلات أقدامي التي كنت أجيدها بمهارة يحسدني عليها كل من ذاق طعمها ولم ينساها . وكنت أشعر بسعادة غامرة وأن أرى الآخرين يستسلمون لفتوتي القوية . كنا نقضي ساعات في المدرسة نتلقى فيها مختلف أنماط المعرفة والعلوم والتربية وقد تميزت بين أقراني من التلاميذ بكثرة الحركة وصخب محاولات الأستحواز على الزعامة المبكرة منذ الطفولة . حيث كانت ضحكاتي أكبر من قدرتي على فهم حالة الأطفال الذين أتسلى بمتعة كسر أي محاولة منهم لمواجهتي . وكانت أمي تتلقى سيلاً من الشكايات ضدي من معلماتي . ولكني لم أهتم يوماً بذلك . وكنت سعيدة بمساندة والدي المعنوية لي في ضرب كل من تسول له نفسه مواجهتي أو تحدي سلطتي الفوقية عليهم . تتمة .......






الثلاثاء، 18 مايو 2010

قصتي مع هديل .. الحلقة الأولى .. بقلم الرحالة العربي ابن الجبيلي


من سلسلة قصص وتجارب على حلقات

الحلقة الأولى


لم أكن أتوقع في مساء ذلك اليوم من بدايات شباط أن يجعلني في مواجهة أجمل وأقسى الأقدار في حياتي . وعندما سمعت صوتها تراءى لي أنني قد سقطت من إحدى ناطحات السحاب وشعرت بالصدمة لهروب قلبي مني ونجاحه في التخلص من سيطرتي عليه والإفلات ساخراً من محاولاتي العقيمة تحديد حركاته وسكناته وآهاته بعدما عشت سنوات طويلة من الألم والعذاب الذي تسببت به زوجتي السابقة . وقصة ضياعها بين رياح الثقافة الأمريكية ونوازعها وغراباتها . وسوف أتحدث ( عن هذا فيما بعد ضمن إطار مذكراتي وقصصي وتجاربي مع الحياة بكل ألوانها ومتاهاتها ) . وكنت قد آليت على نفسي ألا أسمح لقلبي أن ينبض بالحياة مرة أخرى رغم مرور ستة سنوات كانت حافلة بالوحدة والغربة . وأتذكر جيداً محاولات الكثيرين من أصدقائي المخلصين إنهاء عزلتي لنفسي ولطموحاتي وأحلام قلبي العنيدة . أن ينعشوا فيّ الإحساس بالعودة إلى مربع الحب الكوني الذي أختزنه للمرأة في داخلي . فقد كانت جراحاتي أعمق من أن تداويها إمرأة مهما ملكت من قدرات وجمال وإغراء . كنت أجلد قلبي يومياً حتى لايتجرأ على العصيان . إلا أنني شعرت بالهزيمة المريرة مع سماعي لنبرات صوتها الصادق في تلك الليلة . ولبت القلوب الدعوة بسرعة غير مألوفة . وإلتقت العيون وساد صمت خلته دهراً . كانت أفكاري تهرب من تلافيف دماغي وصفحات ذاكرتي . ومشاعري الراقصة فرحاً تتباهى بإنتصاراتها على توجهاتي السابقة . وسؤال يدق رأسي بقوة . كمطرقة جل ماوجدت لأجله تكسير الصلابة التي تعترضها . من أنت أيتها المرأة الساحرة ؟ من علمك طلاسم الحياة لتسقطي قلبي المسكين الذي دربته على كل أنواع الفنون لتحمل صعوبة مختلف المواجهات والظروف . والمناخات والمجاهيل والأحداث المستمرة على رصيف الواقع . كيف تجعلينني مصدر سخرية لغرور كبريائي وعنفواني وسطوتي على قلبي . وبنظرة خاطفة من عينيك . وبسمة أسطورية من شفتيك تنهار كل الحصون في دفاعاتي وعواطفي وأسوار حياتي !. من أنت لتأسري قلبي وتشتتي أفكاري وتعبثين بأنامل روحي . لأول مرة في حياتي أشعر بالخوف من المجهول . وتتراجع ملكات عقلي القادرة على تفسير أحلام النجوم .وأجد نفسي أستمع إلى كلماتها تتغلغل إلى أعماقي دون أن أملك القدرة على الإحاطة بحروفها . وإستسلمت للقدر الآتي . ولإضطراب البصر . وضعف الحيلة في مخاطبة وجه إمرأة بشكل قمر . إحتل عيوني فجأة ولم أعد أرى بعد ذلك أي وجه لإمرأة في العالم . أيها السحر الذي هزمني بوجه هذا الملاك . وأحالني إلى كتلة من براكين العواطف الإنسانية . وأحرق مابقي من أفكار بالية في أعماقي . رفقاً بإنسانيتي . لقد توحدت روحي معها . وإرتفعت حرارة خوفي من فقدانها . أليست المرأة التي صعقت كياني . وسحقت روحي ووجداني . ومابقي من أطياف ذكرياتي . كيف أحمي نفسي التي صهرتها بلا رحمة بين دفقات روحها البريئة الطيبة . لابد أن أدافع عن سماء أحلامي وهواجسي . وإستقلاليتي التي فقدتها . وبدأت أحاول إمتلاكها . لاقسوة بل خوفاً من المجهول . من رياح لاتعرف معنى معاناتي ومرارة أناتي . وجراحاتي وآلامي . وكانت العواصف التي شكلت ذاكرتها الإجتماعية وعذاباتها التي ترسخت منذ طفولتها تشعرني بمزيد من رهبة الخوف عليها لطيبتها الغير متوازنة مع حدة المواقف التي عصفت بحياتها في مختلف مراحلها وسط عوالم غريبة تستغل أنبل المشاعر والمبادىء والأوضاع الإنسانية . وفي ذاكرتي عبر السنين كمٌ ضخم من تلك الصور المأساوية . ولاأرغب أن ينالها شيء من ذلك . كنت أخاف عليها من رموش عيني لو أغلقتها عليها بقوة متسرعة . وكيف أركن لمحيطها وهو يتباهى في أعماقه بضعف وجودها في مكوناته الفاسدة المتناقضة . وقد آلمني أنها قد أصيبت بسهام لاترى فيها إلا الأنثى الخاضعة التي تعطي بلا حدود . وتتحمل تمزيق كبريائها ونزيفه اليومي وهي ترى الخيانة أمام عينيها . وتذوب مشاعرها الجريحة حتى تغييب الوجود . وكنت قد بدأت أستشعر يومها قسوة الأقدار التي دمرت حياتها منذ كانت في الثالثة عشرة من عمرها . وأمني النفس بالقدرة على التوحد مع جهودها لمواجهة آثارها . نظرت إليها محاولاً أن أستعيد بعض وجودي في حضرتها الملائكية . قلت لها : أنا أعرفك منذ عشرين عاماً رغم أننا لم نلتقي يومها . هل تسمحين لي أن أرسمك شعراً لايشبه الكلمات !!! . أجابتني : لاعليك . فقد إعتدت أن أذوب في بحر الكلمات والأفكار رغم أني لم أعرف حلاوتها في حياتي . وأرى أنك ستطير فرحاً بأحلامك وسط الأفلاك . وأنا أحب القمر . وعندما رسمت على شفاهها وهج القمر . خلت نفسي تحلق معها في ربوع الكون كله بنوره وسمائه . وأسراره وعليائه . وشعرت حينها بواجب تقديم الولاء للقمر في وجهها . وللضياء في عيونها . وللألوهية المحفورة في عواطفها . وبدأت أتوسل للقمر أن يمنحها الأمان . ويعزز في أعماقها روعة الإحساس بالسلام . وقد تم حرمانها منه بأمر جرمي من عمها الذي لم يأبه لصرخاتها الصامتة وهي في الطريق نحو ذبح إنسانيتها البريئة تحت حماية القانون . أيها القمر ساعدنا كي نكون جزءاً منك . إمنحنا الفرصة لنهيم بحبك وسمائك . وطهارة لونك ومحيطك . أيها القمر نحن أبناؤك العاشقون لاتغرب عنا فنحن تائهون من دون إطلالتك على قلوبنا . أعطنا الحرية التي تجعلنا موحدين معك . سابحين بصفائك ونورك . مكللين بغارك ... يتبع ........