الثلاثاء، 29 يونيو 2010

قصتي مع هديل .. الحلقة الحادية عشرة .. بقلم الرحالة العربي ابن الجبيلي

من سلسلة قصص وتجارب على حلقات

الحلقة الحادية عشرة

مضى أسبوعان على معرفة أحمد برقم هاتف هديل دون أن يتصل بها . أو ينسى ذلك . وكان قد طلب بعد تكرار زيارته لمطعم شقيقتها أن تمهد لتعارفهما . وقد توجه إلى هناك لتناول الطعام برفقة صديقه جورج كيفن وهو أحد الكتاب والناشطين الأمريكيين الذين عاصروا فترة نضالات القِس الدكتور مارتن (ميخائيل‏) لوثر كنچ دفاعاً عن الحقوق المدنية المهدورة للأمريكيين ذوي الأصول الأفريقية وقيادته المظاهرات المليونية ضد العنصرية البغيضة التي تمارس ضدهم . كان جورج قد فتح لأحمد نافذة ذاكرته المغلقة منذ أربعين عاماً ليتناول قصة محاولته لقاء كينغ . الرجل الذي أحبه وآمن بأفكاره التي تتوافق مع منهج وروحية مواقف المهاتما غاندي السلمية وممارسة اللاعنف لإنتزاع حقوق الشعوب من مغتصبيها وجلاديها . وذلك في مدينة ممفيس في ولاية تنيسي الأمريكية دون أن يدري بأن الرجل الذي أعجب بأفكاره الفلسفية على بعد خطوات من عملية إغتياله التي هزت العالم في الرابع من نيسان عام 1968 . وقبل وصوله إلى المكان المقصود . فوجىء بتواجد كثيف للشرطة التي أغلقت الجسر الحديدي القريب من المكان في وجه السيارات العابرة بعد إطلاق النار ومقتل الرجل الذي نادى بالمساواة في الحقوق على شرفة الفندق الذي كان فيه . وقد دفع حياته ثمناً لتحقيق المساواة في المواطنية بين البيض والسود أمام القانون . وتقديراً لجهوده العظيمة منح قبل مقتله بأربع سنوات جائزة نوبل للسلام . وتم تخصيص يوم وطني يحتفل به بذكرى رحيله تعطل فيه الدوائر الرسمية على مستوى الولايات المتحدة . تعرف أحمد على جورج في إطار البحث عن مجموعة الكتاب والأدباء الأمريكيين المقيمين في ولاية ميشيغان لعقد ندوات أدبية كل شهر وتكوين جمعية تعنى بدراسة وتعميق فهم المثقفين الأمريكيين لواقع حال الشعوب الأخرى ومكوناتها الحضارية . كي يعكسوا في كتبهم ونتاج أدبياتهم حقيقة الحاجة إلى تضامن كل المثقفين الأمريكيين مع مظالم وأحلام المستضعفين من الشعوب الفقيرة والبلدان المُضطهدة . والتي تدفع ثمن الإستغلال والجشع والهيمنة من قوت أبنائها وأجيالها دون أن يحظى الأمريكيون بفرصة حقيقية للإضطلاع عما يجري في تلك البلدان وخاصة في منطقتنا العربية . حيث الشعب الأمريكي في واد . وإدارات حكوماته بعد إنتزاع أصوات تأييده في الإنتخابات في واد آخر . وغالبيته لاتقبل بما تملكه من مشاعر إنسانية واقع الظلم ضد الآخرين وبما تقوم بممارسته حكوماته المتعاقبة عبر سياسات لاتنسجم حتى مع الدستور الأمريكي . لكن التضليل المتعمد والتعمية على الحقائق وإخفائها يحولان دون معرفة الأمريكيين للحقيقة . وحيث تمارس وسائل الإعلام والمسيطرين عليها أبشع أساليب الديماغوجية وتشويه صورة الآخرين لتحقيق مصالح القائمين عليها . وفي مقدمتهم أنصار الكيان الصهيوني المجرم . كان أحمد من خلال تأسيسه جمعية ( أدباء من أجل العدالة والسلام ) . يؤمن بإمكانية تحقيق نقلة في عالم الفكر والثقافة على طريق تعزيز التناغم بين مختلف الحضارات الإنسانية على قاعدة الحوار الموضوعي لتطوير فهم حقيقة المشتركات الإيجابية بين الشعوب والأمم . وإحالة الإختلافات في جوانبها الأخرى إلى حق كل شعب في إحترام خصوصية أوضاعه وتراثه وإختياراته الفكرية والثقافية وغيرها. وكان جورج من أوائل المؤيدين لهذه الأهداف مع بقية الكتاب الذين توافقوا على إستمرارية الإجتماعات واللقاءات فيما بينهم كل أسبوعين في مطعم هنا أو مكتبة هناك . أو في بعض القاعات الخاصة يتحاورون بشؤون الساعة وتقييم آخر إنجازاتهم على كل صعيد . سألت هنادي أحمد إن كان قد إتصل بهديل . فإعتذر عن تأخره بالإتصال بها بسبب إنشغالاته ونشاطاته التي حالت دون ذلك ووعدها بالقيام بالإتصال في أقرب فرصة . وفي مساء أحد أيام شهر شباط أمسك أحمد سماعة الهاتف حيث شعر بأن وضعه الفكري وتأملاته الوجدانية وراحته النفسية تجعله مستعداً للبدء في التعرف عليها وإدارة الحوار معها ودراسة ظروفها وتكوينها النفسي ليتمكن من حل مشكلتها . وعلى الطرف الآخر جاء صوتها مدوياً في رقته . وصاخباً في أنوثة حميميته . ومحيراً في أبعاد مجاهيله وطبقته . وبسرعة وراحة متجانسة بعفويتها بين الطرفين . طلب أحمد منها إن رغبت بمنحه التكريم في تناول فنجان من القهوة معه على ضفاف ليل هادىء تحلق فيه النفس الإنسانية في فضاءات الكون كله . فتبعد شبح الضغوطات والهموم والآلام عن جسد وروح الإنسان . وتمنحه فرصة التأمل والمراجعات التاريخية لمسيرة حياته على رصيف الزمن وكثافة المشاعر المتناقضة وألوان الأحداث المتأرجحة بين الذاكرة والأحلام . ولم يتوقع منها أن تلبي النداء . وقبل تلاقي الأجساد توحدت روحها مع روحه بسرعة تتجاوز حدود الملايين الضوئية . لم يرسم في خياله صورة مسبقة عن تكوينها وملامحها وشكلها . كل ماخطر على باله في تلك اللحظة أنه يتحمل مسؤولية خاصة تجاهها كي يبعث فيها روح الأمل بإمكانية تحقيق الإستقرار والأمان والثقة بالمستقبل . ويجعل الحياة في عينيها ربيعاً دائم الخضرة . تتعملق تحت زرقه سمائه أجمل ورود الدنيا وسحر عطورها الكونية . لم يكن مكان اللقاء بعيداً عن منزلها . وسقط أحمد بالنظرة القاضية . تجنب الإعتراف بالعجز عن المقاومة . وقد تجرد عن الإنتماء الذكوري للكبرياء الكاذب رغم أنه الشخص الذي لم تستطع كل النساء أن تنال من خبرته الوقورة في تجنب إلحاح العيون على خطف البصر للجمال والإبداع والكمال في تكوين الأنثى . رغم إستحالة قدرة المرء على كبت عواطفه وإنفعالاته ورغباته الأنية وأحلامه . نظر إليها وفي ضوء عينيه رسالة إشعاع حروفها مزيج من أبجدية السماء والأرض . ومعانيها غامضة كغموض العلاقة بين الإنسان والملائكة . حاول جاهداً أن يغمض عينيه عليها كي يلملم أشلاء نفسه المبعثرة بين الواقع والحلم . لكنه خشي من أن تفهمها رغبة نرجسية . تحيل سماء المكان في ضبابية القراءة إلى غيوم تحجب البصيرة عن فهم العلاقة بين ملحمة الخلود . وحرية السباحة في مكونات غياب الإنتماء . غاص في أعماق عينيها بإصرارعجيب محاولاً التسلل إلى مملكتها الأسطورية . وقد تذكر فجأة أنه قد رآها منذ عشرين عاماً في أحلامه المستمرة . أليست هي المرأة التي تشكلت الأنهار من دموع عذاباتها . وعرفت كل أنواع الظلم في بدايات حياتها . وقد وعدها الضمير في منحها فرصة السعادة مرة . وخان الضمير عهده في إخفاء رسالة العدل إليها من السماء . شعر أحمد بنوع من الرهبة في تحمل المسؤولية . وهو المؤمن أن لكل حركة سبباً قد يكون مجهول الهوية في مقدمة السطور . لكنه يعكس في واقع الإيمان نتاج معرفة الخالق الأعلى لواقع البشر . جال بعينيه محاصراً المكان كله وهو يحلم بحمله إلى عالم جديد . عالماً طاهراً كشكل الملائكة وأصدقائها على الأرض . وفي سره سكنت كل المشاعر الكونية : ( أيتها الروح الأزلية إمنحيني دفء الشعور بالنسيان لأقدم كل ماتملكه ذاكرتي للملاك الإنسان . أعطني القدرة على أن أكون الأمل لها وبسمة الحنان . إجعلي عمري رماداً من الورد كي تقدم لحديقة قلبها بذور عطر الزمان . عذبيني ماشئت من ألوان وأشكال . لكن إنزعي منها تاريخ الظلام . وأسكينيها بين آهاتي ونور عيوني . وفي أعمق آيات الإيمان . لأتأكد من أنها لن تعرف في حياتها بعد اليوم شكل الحرمان ) . يتبع .........

الثلاثاء، 22 يونيو 2010

قصتي مع هديل .. الحلقة العاشرة .. بقلم الرحالة العربي ابن الجبيلي

من سلسلة قصص وتجارب على حلقات

الحلقة العاشرة

 
كان أحمد قد إنتهى من إجتماعه مع عدد من الكتاب والأدباء الأمريكيين في مدينة كانتون في ولاية ميشيغان وقد شعر ببعض الجوع حيث لم يتسنى له فرصة تناول الفطور في منزله . وبينما كان يهم في سؤال أحد المارة عن مطعم قريب لمح في الجهة المقابلة لمكان سيارته لوحة تدل على مطعم تشير حروفه الإنكيزية على أصله العربي . توجه إلى الداخل وهو يحس بالراحة لإمكانية تناول طعام عربي يجنبه السؤال عن غرابة الأسماء في المأكولات الأجنبية والتي لم يستسغ تناولها يوماً رغم وجوده لسنوات طويلة في أمريكا حيث يفضل بعد المطبخ العربي . المطبخ الصيني والهندي والمكسيكي ومن ثم الإيطالي وغيره . وقد تذكر كيف دخل منذ عشرين عاماً مطعماً في منطقة نائية في هنغاريا وقد إستحال عليه معرفة إسم الطعام الذي سيطلبه من نادل المطعم . ولكنه لمح على بعد ثلاثة طاولات من طاولته عدداً من الشباب تدل ملامحهم الشرقية على أصلهم العربي أو التركي . فبادر إلى منادات نادل المطعم بصوت قصد أن يلفت إنتباه الشباب المذكورين عسى أن يتعرف عليهم ويساعدونه في إختيار نوع الطعام المقبول لرغبات معدته في الغربة ويحل ولو مؤقتاً أزمة وفائها للمطعم الشرقي . صاح بصوت جهوري عال ( أبو عبدو ) ونظر بإتجاه الآخرين ليرى ردة فعلهم . وإذ به يفاجىء بضحكات عالية تكاد تكون هستيرية منهم . فقد كانوا طلاباً من الأردن ومصر ولبنان . كانت تلك الحادثة قد تركت في نفس أحمد شعوراً بأهمية لغة الإيحاء في التخاطب مع المكونات الإنسانية والثقافية في المجتمات الأخرى حين لايتسع المجال لمعرفة تفاصل ومفردات لغاتهم .. جلس أحمد في مطعم الشيخ على إحدى الطاولات ونظر لصور بعض الأطباق في واجهة الجسر البارز من السقف الذي يعلو مكان تلقي طلبات الزبائن . وقد زادت شهيته لتعدد ألوان مايشتهر به المطعم من مأكولات . وفجأة تطل نادلة يتذكر أحمد جيداً وجهها. فترتسم على ملامح وجهه فرحة اللحظة بوجود إنسانة إلتقاها أكثر من مرة . إمرأة يبعث وجهها على الشعور بحنان أنثوي يطغى على هموم الدنيا برقته وطيبة صاحبته ورهافة ذوقها وشخصيتها . تبادلا الإبتسامات بحميمية ظاهرة تحولت إلى ضحكات مسموعة . سألها بإستغراب : مالذي جاء بك إلى هذا المكان البعيد . لم أراك منذ فترة طويلة وآخر مرة إلتقيت بك أثناء عملك في مطعم حميدو في مدينة دربورن . مالذي حصل ؟ . هل أساؤوا معاملة ملائكيتك الطيبة ؟. ضحكت هنادي بإسترخاء وفي ضحكتها لم تعد التفاصيل مهمة عما حدث معها . وقالت له أنا هنا أدير المطعم وسوف يعجبك طعامه جيداً . ثم تبادلا بعض التساؤلات والمعلومات التقليدية عن واقع الحال والعمل . وقد فوجىء أحمد بقوة ذاكرتها وهي تسأله عن آخر إنتاجه من الأدب والشعر . ولأنه يحب أن يتلذذ الآخرون بمعاني أشعاره الإنسانية والعاطفية والرومانسية . ويؤمن أن الشعر وجد ليستمتع به الناس . لاأن يدفن في أعماق الخزائن وعلى الرفوف . لأنه رسالة للعقل . وتهذيب للنفس . وغذاء للروح . وأملاً يستعان به على ولوج بوابات السعادة والإستقرار . ومواجهة التعقيدات الإنسانية وإستنباط الحلول لمشاكلها . والتصميم على إبقاء الربيع خالداً في الذاكرة والحياة . وأثناء تناول الطعام قدمت هنادي إلى أحمد شقيقتها الصغرى ريسام التي يميزها قوة الذكاء الفطري . والرغبة في لفت الإنتباه . وحيرة في البحث عن الأمان الإجتماعي وتجاوز الهموم الحياتية في المستقبل . ومن خلال حوار قصير معها شعر أحمد بأنها تعاني من مشاكل تشتت الذهن ورغبة دفينة في التمسك بالثقة بالنفس بشكل حاد قد ينقلب إلى عامل سلبي في المستقبل . وذلك بالوقوع في فخ الغرور وردات الفعل الإفتجائية التي تدمر سلامة المواقف على مساحات التفاعل مع المحيط الإجتماعي والإنساني . ولمس أنها ذات طبيعة طيبة وإجتماعية الهوى والمعشر والتوجهات . لكنها حين لاتجد فرصة لتحقيق نزعاتها ومآربها وأهدافها . فقد تتحول بفعل ردات الفعل والثقة غير المتوازنة في أعماقها إلى ممارسة العداونية . والتي تتناقض مع حقيقتها الإنسانية الطامحة إلى حياة أفضل ككل الناس . وحين عرفت أن أحمد يعمل مستشاراً لحل مختلف المشكلات الإجتماعية والنفسية وغيرها . أشارت إليه برغبتها لحل مشكلة تشتتها الذهني الذي يؤثر على دراستها . والتي تبذل جهوداً مضنية لمتابعتها . وحيث تعتمد على تحمل أعباء مصاريف دراستها الجامعية لوحدها دون أن تلقى مساندة من أحد . مما حفر في ذاكرة أحمد شعوراً بالتضامن الصادق معها . وأحس بالحزن لإضطرار صبية في مقتبل العمر للعمل في مكانين متباعدين يومياً والسعي إلى تحمل مسؤوليات الحياة مبكراً حيث لايسمح واقعها الإجتماعي بدعم طموحاتها الطبيعية نحو تحقيق مستقبل أفضل . وقد أبدى أحمد تجاوبه مع مشكلتها وطلب منها مراجعته في مكتبه . وأشار لها بأن حل المشكلة يتطلب أكثر من جلسة علاجية وتدريبات تقنية على حلها . شعر أحمد بطيب العائلة التي تنتمي إليها الشقيقتان . وبينما كان يهم بمغادرة المطعم طلبت منه هنادي أن يكتب لها شيئاً من آخر إنتاجه ولما لم تجد ورقة مناسبة . قدمت له ورقة من دفتر الفواتير الخضراء المخصص لفواتير الزبائن . في وقت رفضت فيه بشكل قاطع قبول ثمن الطعام منه . كانت حقاً من أكرم الناس في تصرفاتها . فما كان من أحمد إلا أن إشترط عليها قبول ثمن الطعام حتى يكتب لها شيئاً من شعره . وبينما كان يخط جزءاً من قصيدة نثرية رومانسية على تلك الأوراق الصغيرة . أشارت إليه هنادي بأنها تحتاج إلى مساعدته لحل مشكلة أختها الكبرى التي تهم بالحصول على الطلاق من زوجها . فما كان منه إلا أن قال لها : ( أنت وأختك وكل العائلة على رأسي تاجاً من الدرر والورود والأصالة ) . وقدم لها الأوراق مبتسماً . حيث تمنت عليه أن يقرأها بصوته . والسعادة والإحترام تغمر مشاعر الأختين معاً لمعرفة هذا الصديق الجديد والإستمتاع بوجدانية أشعاره :


قال لها وصرخة الحرمان

تمزق كيانه المهاجر :

دعيني أقوم بأخطر عمل

يعبر عن أحلامي

وأخطفك من عالم

لايتسع لأناتي

وحين نهبط كالملائكة

على حين غرة

وننام على شاطئ آمن

نشرب من مائه

ونلتحف بدفء سمائه

تسبقنا موسيقى الناي

وصوت غناء البجع

يصحبنا كالقدر

هاربين من الوجع

وقد تغلغل فينا

حتى كدنا نحفر

في الصخر أمانينا

دعيني أحبك بكل الأبجديات

والخواطر والآهات

وأحلم بمستقبل كالفضاء

وأعشق فيك عذوبة الصفاء

وأراك في كل الأماكن

بسمة الحب وأميرة الأسماء

أنا اليوم متعب العينين

وأحتاج الى آية

توحدك في أملي

وفي حلمي وفي نظري

وتمنحني لذة الرخاء

أحبك وشوقي لا حدود له

كشوق الأرض لرحمة السماء

أحبك يا حبيبة الكون

ولتغار منك كل النساء

وقبل مغادرة أحمد للمطعم أوصته هنادي بألا يكشف لأختها عن معرفته المسبقة بفكرة طلبها الطلاق من زوجها . وأكدت له بأن التعارف سيكون ممكناً جداً لأن شقيقتها تهوى الشعر . فرد أحمد سأتصل بها قريباً وأنا أحترم رغبتك . وسأسعى لمنع الطلاق ومفتاح النجاح لذلك أن تكون أواصر الحب بين الزوجين عامرة بالذكريات والصدق في المشاعر والرغبة في تجديد روح الحياة . وبعدها تأتي مسؤوليتي . وسألها : بالمناسبة ماهو إسم أختك ؟ . أجابت : ( هديل ) ...... يتبع


الأربعاء، 16 يونيو 2010

قصتي مع هديل .. الحلقة التاسعة .. بقلم الرحالة العربي ابن الجبيلي



من سلسلة قصص وتجارب على حلقات

 
الحلقة التاسعة

مرت هديل بأيام عصيبة ومتوترة وإحتارت كيف تتعامل بحزم مع العصابي الموتور زين . فمن جهة كانت رغبتها الصادقة بعدم إيذائه والإستعانة بسلطة القانون لحماية نفسها من جنونه وأهوائه المزاجية الحادة ومضايقاته لها تمنعها من المبادرة للقيام بردة فعل حاسمة ضده لأنه الوحيد لأسرته وهي تدرك بطبيعتها الطيبة والبسيطة أن أي عمل تلجأ إليه عبر الإتصال المباشر برقم الطوارىء وتقديم شكوى عاجلة للشرطة يمكن أن تؤدي إلى تعقيدات قد يدفع أهله ثمنها كمعيل وحيد لهم وخاصة أنها تعرف أهله جيداً وتتذكر علاقتها بجدته التي تحبها وتعطف عليها . ووالده الذي كان يمنحها شعوراً متميزاً من الإحترام كصديقة جديدة للإسرة . وهي تعرف أن أهله لاذنب لهم بسلوكياته المتهورة وملاحقاته لها في كل مكان . لهذا كانت تحرص على عدم إدخاله السجن لسوء تصرفاته معها كي لاتحرمهم من دخل عمله في محطة الوقود في مدينة الساوث فيلد وتحمل مسؤولياته إتجاههم . ولكن زين شخص أحمق وغبي ولايفهم لغة الحوار والتعامل اللطيف . وطبيعته الحيوانية الهائجة تؤهله لممارسة العداونية والعنف والجريمة في كل وقت . إنه يستهتر بكل شيء لايحقق إرضاء غروره الطائش حتى لو أدى الموقف إلى مأساة لأسرته . فكلما طلبت منه هديل الإبتعاد عنها والإهتمام بحياته وأسرته ورغبة أهله في تزويجه كي لاينقطع نسلهم . يصر بالمقابل على تهديدها وإستغلال واقعها . والقول المأثور عن الحمقى يؤكد إنتماء زين الفطري لمعانيه ( لكل داء دواء يستطب به إلا الحماقة أعيت من يداويها ) إنه مزيج من شخصية المريض نفسياً والموتور عاطفياً والمتعصب لذاتيته المفرطة عقلياً . كانت ثقته الضعيفة بنفسه لاتساعده على فهم أسس الحياة وقيمها النبيلة وألوانها ومسؤولياتها . وخيانة حبيبته له نتيجة عجزه تجعله يتمسك برهافة إحساس هديل العاطفي وأنوثتها الطاغية لتنسيه إضطراباته الداخلية العميقة . ولأنه قد نشأ في بيئة غير سوية وراثياً وتعاني من بعض الأمراض فهو غير مدرك لأبعاد أعماله وحركاته وردات فعله الطائشة . حاولت هديل الإستعانة بإمرأة كانت قد تعرفت عليها في ديربورن وهي من مدينة فلينت في شمال ميشيغان والتي تتشارك المدينتان بالإنتماء إلى جغرافيتها . وكانت مارتا وهي من جبل لبنان من النوع الذي يعطيك من طرف اللسان حلاوة ليحقق مآربه بذكاء فطري خبيث . وقد إكتشفت مبكراً طبيعة الظروف التي أحاطت بحياة هديل الريفية وفقر ثقافتها وتعليمها وتجربتها . فبدأت تعرض عليها أفكار المرأة المتحررة من كل الضوابط الإجتماعية وتساعدها على إكتشاف طاقاتها كإمرأة تستطيع بالحرية المباحة أن تطور في أعماقها فهم لغة الجسد . وعرفت بحدسها أن هديل متعطشة للخروج من قيودها وعلاقتها المتأرجحة مع زوجها بسام . عرضت عليها أساليب العلاقات الإباحية الجنسية وطرق إغراء الرجال . وتقنيات الحصول على قمة المتعة في تعامل الجسد مع الطرف الآخر . وهديل مأخوذة بهذه المعلومات والخبرة التي لم تكن تجيدها . مما كان يؤثر في إحساس بسام بأنها غير قادرة على منحه دفء الشعور بحرارة جسده . وكثيراً ماكانت مارتا تحكي قصص تجاربها الجنسية مع عدد من الرجال الذين عرفتهم في حياتها قبل الزواج بأكرم الذي ساعد هديل على الترجمة في جلسة الحصول على الطلاق من زوجها العابث بأمن عاطفتها وكرامتها الأنثوية . كانت مارتا قد أقامت مع زوجها قبل ذلك بأحد فنادق المدينة وقد حصلا على مساعدات مالية متراكمة من هديل على أمل تعويضها عن ذلك وشاركاها مائدة طعامها مع زوجها بسام لخمسة شهور كونهم يبحثون عن فرصة إستثمار في الولاية . وأنهم يملكون أموالاً سوف يجلبونها من أحد بنوك الإمارات العربية المتحدة وقيمتها تتجاوز المليوني دولار أمريكي . وهو أمر يحتاج إلى وقت . ولهذا كانوا قد أقنعوا هديل بمساعدتهم على وعد رد الجميل لها ولزوجها الذي فقد في تعامله معهم فيما بعد مبلغ خمسة آلاف دولار قسم منها بشكل دين والآخر بسبب حصولهم على سيارة وقع بسام صك التنازل عنها على أمل حصوله على قيمتها دون جدوى . مما دفعه إلى توجيه اللوم لهديل على ثقتها بهم وتوريطه بمساعدتهم . ولم يكن يعرف يومها بأنها قد تورطت بذاتها وقدمت لهم أساورها الذهبية التي جمعت قيمتها من عملها المضني مع أربعة خواتم ذهبية كان بسام قد قدمها إليها في أوقات متباعدة خاصة حين يسعى لتخفيف التوتر معها وإرضائها لحل مشكلة أو أخرى . كان الإتفاق مع هديل على رهنها مؤقتاً وإعادتها بعد شهرين من محل للمجوهرات على تقاطع شارعي شيفر وفورد حيث يأمل أكرم وزوجته بتحويل المال المذكور إلى أمريكا . وزاد في الطين بلة أن هديل لدى دخولها إلى أحد محلات الهواتف قرب الفندق . تعرضت إلى الحجز القسري لمدة وجيزة كي تدفع قيمة شيك بلا رصيد وقعه أكرم بمبلع مئة دولار لأنها كانت قد دخلت المحل المذكور معهم لدى شرائهم بعض الأغراض منه . وتجنباً لتدخل الشرطة والفضيحة وكون هديل لاتعرف حقوقها القانونية ومحدودة الخبرة في العلاقات العامة وإجادة التخاطب بالإنكليزية قامت بدفع قيمة الشيك المذكورة وكأنها هي المتهمة دون أن تفطن إلى حقيقة هؤلاء الناس من صخب الحادثة ووضوح الفعل المشين . وبطبيعة الحال لم يكن صعباً على الزوجين الصديقين لها !!! من تبرير خطأ صاحب المحل المذكور وأسفهما لأنه لايعرف قدرتهما الشرائية الكبيرة على إمتلاك عشرة محلات مثل محله !!! . ولغة المبررات عند الخبراء لاحدود لها ؟؟؟ . وهديل سريعة التأثر بالكلام لأنها غير قادرة على فهم الحياة الجديدة بعد . وهي مؤهلة بضعفها للإستغلال بكل ألوانه ومتاهاته . وربما تنقضي حياتها دون أن تتعلم التمييز بين الصالح والطالح . وبين الحق والباطل . ألم تسقط في فخ زين الذي أوهمها بأنه مجنون ليلى وأنه العاشق الذي لم يعرف العالم مثله . وكان يردد دائماً على مسامعها جمل لامعنى لها : ( أنا مستعد لرمي نفسي في النهر إن رغبت بذلك ؟؟؟ .( أنت بعد الله عندي ) ؟؟؟ لم تكن هديل تملك القدرة الفكرية على التساؤل والتمييز بين الإنسان الصادق والمحتال . وبين الطيب والخبيث . وبين أصحاب المصالح والنبلاء . لهذا تورطت في كل علاقاتها الضبابية بالخطايا والفضائح وعالم الأنانيات والإباحية . تبحث عن الحب الحقيقي المفقود دون أن تحظى به . ومن حضن إلى آخر كانت تعاني من صعوبة التخلص من آثار علاقاتها . لهذا لجأت إلى مارتا على أمل مساعدتها للتخلص من ذلك المعتوه . ولم تكن تدري أن صديقتها المفترضة تخونها وتساعده سراً على إستغلال نقاط ضعفها وتوهمها بالتضامن معها لتبقيها تحت سيطرتها وذلك لجني المزيد من الأموال من زين مقابل مساعدتها له لحل مشاكله مع هديل . حيث كانت تمده بالمعلومات وتساعده على رسم الخطط لمحاصرتها وتحقيق المطلوب . وتلجأ أحياناً لإثارته بمعلومات قد تجعله يجزي الدفع أكثر بزرعها الشك بمحاولة دخول آخرين على حياتها . وقد شكا أهله لهديل عن شح المبالغ المالية التي بدأت تقل إلى درجة كبيرة تدفعهم للمعاناة من عدم كفاية مصاريف الطعام لهم في بعض الأحيان دون أن يعرفوا سبب ذلك . في وقت حصلت فيه مارتا على مصدر دخل إضافي لها وذلك بالتجارة في المعلومات التي تعرفها عن هديل للمعتوه زين مما ساعده على نشر شبكته المقيدة لحريتها . والمحطمة لسمعتها . والمدمرة لحقيقة ومجاهيل مستقبلها . وهذا ماستنبيء الأيام القريبة عن حقائقه بعد دخول الوافد الجديد أحمد إلى حياتها العبثية التي لاتشبه إلا سوق النخاسة في القرن الواحد والعشرين حيث التجارة بالنساء . ومظاهرمغريات الحياة الماجنة والإباحية والفجور . والمصالح والمنافع الإقتصادية والمادية تطغى على كل المفاهيم والقيم السامية . وحيرة الإنسان بين التمسك بصدق الإيمان بإصلاح الحال . والعودة عن تكرار الأخطاء والخطايا . وبذل الجهد لترميم مايمكن في سبيل حياة طاهرة عفيفة صالحة تحمي مكانة وتاريخ وسمعة المرء في محيطه ومجتمعه . أو الإستمرار في تدمير كرامة الإنسان لذاته وقيمه الإنسانية والعائلية والإجتماعية والوطنية . في واقع تمارس فيه أجهزة المخابرات المعادية لواقع أمتنا العربية أساليبها ومخططاتها لتدمير القيم التي تجمع أهل الحضارة الراسخة والتاريخ العظيم وتسعى لتعميق فرقتهم . وتحط من شأنهم وقيمهم الأخلاقية والتراثية والفكرية والإجتماعية . ولاتألوا جهداً لإفسادهم . و تبذل كل ماتستطيع للسيطرة على الضعفاء منهم لتوجيههم كي يكونوا أداة تزعن لمخططاتها الظلامية بحق العدل والإنتماء للوطن والإنسانية والتاريخ . وكلما وجدت تلك الأجهزة تطوراً في الوعي الثقافي والوجداني لماهية التعامل مع المثل العليا . والعلاقة بين الأرض والسماء عند المجتمع العربي المهاجر ضاعفت الجهد لتشوية القيم الروحية عند المخلصين . فكيف إذا عرفنا أن شبكات الموساد الصهيوني تعبث بأفكار وسلوكيات وواقع أبناء الجالية العربية في مدينة ديربورن . وأن لهم عملائهم وجواسيسهم السابقين والجدد وهم من بين صفوفها . وكم من فتاة وشاب وقعن ضحية الغرائز وعمى الألوان في الحياة . وتشجيع وإشراف العملاء المجرمين . وغياب التربية العائلية . وقد مارسن الجنس تحت عدسات الكاميرات السرية في البيوت والفنادق وسيارات الليموزين الطويلة وغيرها . فكيف بالكاميرات وأجهزة التنصت العلنية المحمولة بين أيدي المشرعين للعهر والإباحية . رواد المرابع الليلية . الحالمين بخمر الحرية تحت سحب الدخان . وأشكال المخدرات والحبوب المهلوسة حتى ساعات الفجر الأولى دون أن يسأل الأهل إبنتهم أو ولدهم . أين كنت ؟؟؟. وبطبيعة الحال لن يسألوا عن العذرية المخطوفة في قيم الشرف والجسد والفكر والتراث الأصيل . فنحن في عالم دين الحرية الجديد بماله ومآله . وكل شيء مباح مادام القانون يحمي . والدستور يشرع . والأهل غائبون . ومادامت الزوجة تستطيع طرد زوجها من بيتها والعكس واقع . والأطفال في حالة ضياع على دروب تشتت الكبار . وغياب المناهج التربوية والمربين . وبين شكل المستقبل للأجيال القادمة . فمن هو المسؤول؟؟؟؟ . يتبع .......


الأربعاء، 9 يونيو 2010

قصتي مع هديل .. الحلقة الثامنة .. بقلم الرحالة العربي ابن الجبيلي


من سلسلة قصص وتجارب على حلقات

الحلقة الثامنة

بدأت هديل بالتفكير بشكل مغاير لما آلت الأحداث إليه وقد عزمت على حسم علاقتها بزوجها بسام . أنذرته برغبتها الحازمة بالطلاق . وبعد محاولات متكررة منه لإثنائها عن ذلك . قبلت أن تمنحه فرصة متسامحة لإصلاح سلوكياته الماجنة ووقف إستهتاره بكرامتها ومكانتها الأنثوية والإنسانية . بدا لها أنها لن تنجح مطلقاً بتغيير سلوكياته بعدما لمست تكرار خياناته في ظل الهدنة المؤقتة لإصلاح ماعجزت صادقة على إصلاحه . قررت هديل الحصول على الطلاق والتنازل عن حقها في الحصول على نصف ممتلكات زوجها الهزيلة أصلاً حسب القانون الأمريكي الذي يمنح المتزوجين حق المناصفة في ممتلكاتهم نتيجة الإنفصال وخاصة في حالة الخيانة الزوجية . وقد إرتأت هديل ممارسة إتفاق شفهمي مع بسام بالتنازل المذكور وبإلزامه بدفع قيمة إيجار المنزل والصرف عليه مع محافظتها على السكن فيه برفقة إبنها وعدم تدخل زوجها في حياتها الخاصة . وحيث تملك ضغطاً معنوياً تستطيع أن تمارسه عليه لأن عقد الإيجار بإسمها وبالتالي يمكنها في أي وقت طرده منه وإجباره على البحث عن مكان آخر ربما يكون أعلى أجراً منه . وقد منح القاضي الأمريكي بسرعة غير متوقعة صك الطلاق لها بعد تنازلها عن حقوقها المادية والقانونية مستعينة بمساعدة أكرم في عملية التفاهم والترجمة . وأكرم هو من الأشخاص الذين كان لهم مع زوجته مارتا قصصاً مع هديل سيتم شرح تفاصيلها المأساوية في سياق الحلقات المقبلة والتي تعكس واقع الإستغلال والجحود والعبث الذي حال دون حصولها على حق الإستقرار والوفاء والمحبة والأمان ككل إمرأة على وجه المعمورة . شعرت هديل برغبة عميقة في إعادة تقييم مسارات حياتها والإستفادة من تخبطاتها الإجتماعية حيث دفعت ثمناً غالياً جداً من أعصابها ويوميات حياتها المضطربة والحزينة . ولكن القدر لم يسمح لها بذلك حين تعرفت على شاب عن طريق شقيقتها ريسام التي قدمته إليها لتواسيه من مأساة عاشها منذ فترة قريبة حيث إكتشف أن المرأة التي أحبها تخونه مع رجل آخر . مما أصابه بحالة من الجنون والتوتر تصاعد في داخله ليتحول إلى إصابته بمرض العصاب القهري وإستعداده لذلك كان متاحاً لأن شخصيته وحياته والعوامل المورثة في بيئته الإجتماعية تعكس حالة مرضية وراثية تصاعدت حدتها لدى رؤيته حبيبته المحجبة في أحضان رجل آخر . وقد آثر الإبتعاد عنها بعد وضعها حدا لتهديداته وجنونه العبثي وإستخدامها الحق القانوني بحمايتها منه حسب النظام القضائي والحقوقي الذي يتيح وضع الشخص تحت مراقبة قانونية وذلك بمنعه من الإتصال أو الملاحقة أو التواجد على بعد يقل عن ثلاثمائة قدم من الشخص المطلوب حمايته وينطبق هذا القانون على كل إنسان يثبت أنه يتعرض للتهديد . والمشكلة هنا أن البعض يلجأ للإستفادة من ذلك بدواعي وأسباب ليست حقيقية بل ربما مزيفة من أساسها ويحصل على ذلك الحق في الحماية من الشخص الآخر لمدة عام يمكن تجديدها بطلب مكتوب للقضاء . كانت هديل تملك قسطاً من طيبة القلب التي تجعلها ضعيفة أمام الآخرين وتفقد توازن الفعل المنطقي والتفسير الموضوعي لحيثيات الأفعال والسلوكيات المشبوهة . وكان ذلك الشاب زين يملك الكثير من تلك السلوكيات المشبوهة كشخص مريض ومحتال وخبيث بطبيعته المتشككة في الظواهر المحيطة بالعلاقة بين الرجل والمرأة . وقد دفعته ظروف إضطراباته النفسية العميقة إلى محاولة إستعطاف هديل لمساعدته على التخلص من صدماته القاسية مستغلاً طيبتها وحاجتها للخروج من أزماتها بعد التورط مع فواز بالمخدرات . كان يغدق عليها مساعداته المادية والخدمية ليعوض ضعف شخصيته وثقافته المحدودة في إقامة علاقة مع المرأة تقوم على المحبة والإحترام والإنسجام الفكري والأخلاقي . وقد تأثرت هديل بحالته المعنوية حين لمست نزوعه لتناول المشروبات الكهولية لنسيان عقدته من حبيبته الخائنة . تعاطفت معه في البداية ظناً منها أنها بطيبة قلبها تساعده على مواجهة الحياة من جديد . لكنه فهم من سياق المواقف التضامنية منها أنها تحبه وتعشقه وهي في واقع الحال لاتملك رؤية صحية نتيجة ظروفها حول الحب وطهارته ومقوماته الروحية والعاطفية . وفي ظل الإضطراب المرضي الذي كان يعيشه تعلق بها لدرجة كانت تفرض عليه الرهاب من محاولتها الإبتعاد عنه بعدما لمست محاولاته إمتلاكها والسيطرة عليها . وهي المرأة التي ضاقت زرعاً من واقعها الذي حال دون إحساسها بالحرية والإطمئنان لواقعها الإجتماعي المعاش . ومن مشكلة إلى أخرى تورطت معه بعلاقة متأرجحة مرة يفهم منها أنها تحبه وفي مكان آخر تعتبره صديقاً ساعدها بأشكال متعددة مع أخواتها . والمال يغيب الشوائب والسلبيات . كانت الرغبة في الخروج من مأساة علاقتها بزوجها بسام تدفعها للسهر في المرابع الليلية حتى ساعات الفجر الأولى . وكان زين بخبثه يدعوها إلى تلك السهرات مع أخواتها ليحقق من خلال علاقته بها نوعاً من الأمان الوهمي لأن البديل ذاكرة تكاد تقضي عليه وهو يتذكر وضع تلك المرأة التي كشفت من خلال إختيارها رجلاً آخر لمشاركتها فراشها أن حبيبها عاجز ومخنث لايصلح للحب ومسؤولياته الأدبية ورغبته في وجود إمرأة في حياته نوعاً من الكماليات التي تجعل الآخرين في إعتقاداته ينظرون إليه على أنه رجل مكتمل الرجولة . وفي واقع الحال كانت هذه عقدته الكبرى التي دفع ثمناً لها بتخلي حبيبته عنه . كانت هديل بعد فترة من الزمن قد بدأت تدرك أن علاقتها بزين قد تجلب لها متاعب من نوع آخر فهي من جهة ترغب في المحافظة على صداقته للإستفادة من خدماته ومساعداته السخية . ومن جهة أخرى ترغب بأن يفهم أنها لن تكون حبيبة أو زوجة له مهما كانت الظروف . وزين لم يكن مستعداً لتقبل هذا بطبيعته وحالته المرضية وضعف ثقته بنفسه . فقال لها رداً على محاولتها الإبتعاد عنه . إما أن تكوني لي أو أقتل أي شخص يحاول الإقتراب منك ... يتبع

الأحد، 6 يونيو 2010

قصتي مع هديل.. الحلقة السابعة .. بقلم الرحالة العربي ابن الجبيلي


من سلسلة قصص وتجارب على حلقات

الحلقة السابعة

أفاقت هديل من غيبوبتها وهي في مستشفى أكوود والأطباء من حولها في مشهد لم يكن معتاداً بالنسبة لها . وهي المرأة التي لم تشعر بإهتمام الآخرين بصحتها حتى من أقرب المقربين إليها . وقد سيطرت على حياتها نتيجة ذلك الإهمال والإستهتار بوجودها حالة من القسوة الذاتية دفعتها لتجلد نفسها برفض الإقرار بالألم والمعاناة والشكوى أمام الآخرين . وكأنها ولدت من الصخر وأصبحت ذات طبيعة يصعب على المرء ألا يشعر بحجم أنينها الداخلي المكبوت في ظل الأحزان والقسوة والوحدة . مما يخلق تعاطفاً تلقائياً معها لدى معرفة ظروفها القاهرة للنفس والروح والوجدان . سألها أحد الأطباء العاملين بالمشفى عن إسمها . أو إذا كانت تشعر بشيء معين تريد البوح به . ولما لم يجد إجابة مباشرة إلتفت إلى بعض أفراد الطاقم الطبي المرافق وأشار عليهم بوضعها تحت العناية المركزة ومحاولة خياطة الجرح الكبير في ساقها بأفضل السبل الممكنة . فقد عجزت هديل عن الإستجابة للتخدير لدى محاولة معالجة جرحها الغائر ليكتشف الطبيب المعالج أنها مدمنة على المخدرات . وليستقر الرأي بمساعدة طبيب العائلة محمد وزوجته الطبيبة من ديربورن على تسهيل إقامتها في المستشفى لفترة شهر . كي يتم تنظيف جسدها ودمها من آثار تلك السموم القاتلة . وقد حرص طبيب العائلة على عدم البوح بحالتها لأحد من أفراد أسرتها الذين يعرفهم جيداً بإستثناء شقيقتها هنادي التي جلبتها بحالة إسعاف طارئة بعدما إصطدمت في منزلها بالباب الزجاجي الكبير وأغمي عليها من شدة الصدمة وتساقط الزجاج الحاد على جسمها . وحيث تسارعت الأحداث لتتدخل الشرطة وعناصر من مكتب التحقيقات الفدرالي ( الأف بي آي ) لشكهم بوجود محاولة قتل لها قد يكون وراء الحادث . وقد لفت إنتباه الشرطة إلى وجود إتصال سابق على رقم هاتفها مسجل في تقارير الطوارئ والشكايات ( 911 ) دون أن يرد الطرف الآخر حينها وهو هديل على إستفسار الشرطة رداً على الإتصال . مما بعث الشك بدائرة الشرطة للمتابعة من خلال عنوان الشخص المتصل . وحيث يقود التفكير بإمكانية إصابته بمكروه خطير أو أنه قد تعرض لجريمة قتل . وهذا هو جزء من التفسير الموضوعي في نظام الإتصالات الطارئه على مثل هذا الرقم . كانت هديل قد تبادلت سابقاً أرقام الهاتف مع فواز الذي سارع لدعوتها إلى لقاءات متعددة في منزله . حيث لمس حاجتها إلى تجاوز المحنة التي ألمت بحياتها والتوترات الدائمة مع زوجها بسام وشعورها بالضياع والكآبة والعذاب . وبدلاً من أن يمد يد المساعدة لها إستغل وضعها المضطرب ليدخلها إلى عالمه الإجرامي الملىء بالفساد والتخبط واللامبالاة والمجاهيل . وقد أوهمها بتعاطفه معها ومحبته القوية لها . ( والحب براء من فواز ومن فهم هديل الضبابي لقيمته في حياتنا الإنسانية ) . لم تكن هديل في وضع يجعلها تدرك معنى الغوص في عالم المخدرات وتأثيراتها القاتلة على النفس والعقل والتفكير والجسد . والصحة والحياة والمستقبل . فبدأت تسبح في عالمها الجديد تحت نظر فواز وإشرافه دون وازع من مسؤولية أوضمير . وقد غرقت في بحر الأوهام بإمكانية تجاوز مشاكلها ومعاناتها بالتخدير والنسيان . لتكتشف في النهاية حجم الضرر والأذى العظيم الذي حل بها وهدد حياتها ومصيرها . وقد إكتشف زوجها بسام علاقتها بفواز ومارس ساديته عليها بضربها ضرباً مبرحاً لايستقيم مع دفاعها عن نفسها وردها عليه . وفي تلك اللحظة حدث ذلك الإتصال مع قسم شرطة الطوارىء لطلب مساعدتهم وإنقاذها . وقد حالت لغتها الإنكليزية المحدودة جداً من التجاوب مع تساؤلات عاملة السنترال الأمريكية لإرسال الشرطة إلى منزلها وتحريرها من بطش يديه . وحيث إختارت الذهاب لمنزل شقيقتها والمكوث عندها مؤقتاً بإنتظار تحديد الخطوات والمواقف والحلول الممكنة وهنادي هي الأخت الطيبة التي تتعاطف معها بقوة كبيرة . وتميزها هديل عن مجمل عائلتها . لقدرتها على كتم أسرارها وإسداء النصح الصادق لها في محنتها . وهناك فعل الزجاج الثقيل ما آلت إليه الأحداث بعدها . كانت الرغبة تتعاظم في أعماق هديل بالإنتقام من بسام يومياً سواء بمنح جسدها لغيره أو بإيذائه معنوياً لأنه من أهم أسباب معاناتها في حياة إستمرت ستة عشرة عاماً والخيانة ترقص أمام عينيها . وحيث العشيقات والمومسات يمارسن إباحياتهن معه دون أي إحساس بوجودها من عدمه . لهذا قررت هجر النوم على نفس الفراش وإختارت إستعمال فراش من الأسفنج تستعين به لتنام على أرض غرفة الإستقبال ( الصالون ) عند المساء . وليتفرد إبنها بحصة إحدى الغرفتين الوحيدتين في المنزل . حتى ولدها الذي أنجبته لم يشعر يوماً بواجب تفضيل أمه على أنانيته وشغل الصالون مكانها بدل الإستحواذ على غرفة بمفرده ورؤية أمه تنزوي مع نفسها بصمت يهدر بالهم والقهر والآلام والخنوع . وقد قبلت أن تعيش على هامش غياب الضمير والوجدان . وحيث يستحيل عليها أن ترتضي مغادرة المنزل للسكن مع أهلها . وهذا الأمر له حكاية طويلة تشكل أحد أسرار تكوين شخصيتها الفردية. ومع توالي الأيام وتصاعد تأثير المخدرات على هديل وطلبها المتزايد عليها . ووجود بعض الشباب من أصدقاء فواز في تلك السهرات الماجنة التي تستمر في كثير من الأحيان حتى ساعات الفجر الأولى . وفي زحمة الخضوع لغياب العقل والإحساس بالزمان والمكان والإنسانية . تعرضت هديل في إحدى الليالي إلى إغتصاب جماعي لم يشارك فيه فواز لضعفه وبرودته وعجزه عن إتمام هذا العمل . وقد حفر هذا الأمر مزيداً من الدمار على شخصيتها وأفكارها ونفسيتها المحطمة لتبدأ من جديد البحث عن حضن آخر من الرجال ربما يلبي طموحاتها في إيجاد موطىء قدم لها على رصيف السعادة والحب والحياة الآمنة المستقرة . وبعد خروجها من المستشفى لم تكن روحها قد تعافت كما حدث مع جسدها من هول الذكريات . فذهبت إلى منزل فواز في يوم قارس البرودة والصقيع . ولما لم تجد رداً على طرقاتها على باب منزله . جلست على الأرض تنتظره لمدة خمس ساعات كادت أن تؤدي بحياتها . في وضع يعكس تشتتها ودمار نفسيتها . وعدم سوية تفكيرها وإحساسها بالرغبة الجارفة لمعرفة أسباب عدم زيارته لها والوقوف إلى جانبها ومواساتها من آلامها . لم تكن هديل تدرك أن ذلك الشاب الميكانيكي أناني وجبان ومجرم . وأن تحرره من أي إحساس بالمسؤولية الضميرية قد تسبب من قبل بمقتل الشابة سوزان . ب وهي فتاة في الرابعة والعشرين من عمرها ذهبت ضحية الإستغلال والظلم . وإستهتار الأهل بمتابعة حياة أبنائهم . وقد عبثت سموم مخدراته بحياتها . فكيف يفكر بمواساة هديل ويزورها في المستشفى . وهو مقتنع بأنها قد غادرت الدنيا وربما تضع الشرطة أقفاص الحديد في يديه على جرائمه لو إنكشفت علاقته بها . كان جل تفكيره وإهتمامه أن يحمي نفسه من مواجهة عدالة الأرض حيث لايفكر الكثيرون في هذه الحياة بعدالة السماء ...... يتبع

الخميس، 27 مايو 2010

قصتي مع هديل .. الحلقة السادسة .. بقلم الرحالة العربي ابن الجبيلي


من سلسلة قصص وتجارب على حلقات

الحلقة السادسة

توالت الأحداث المتسارعة في حياة هديل وتصاعدت حدة الإختلافات والتوترات مع زوجها بسام لتصل إلى حدود التصادم بالأيدي وممارسة العنف المتبادل . وقد قررت هديل الإنتقام منه . فعزمت على تحرير لغة الجسد من كل العوامل المقيدة . وبدأت تتحين الفرصة لبناء علاقة تعيد إليها مشاعرها المكبوتة وتشفي أنوثتها من الجراح العميقة التي حفرت تأثيراتها المدمرة على نفسيتها وسلوكياتها اليومية . وزاد شعورها بالصداع المزمن في رأسها ليتطور إلى حالات غثيان وغياب مفاجىء عن الوعي قاد الأطباء إلى الشك بإصابتها بمرض الصرع . لكن التحاليل والفحوصات المختلفة لم تثبت ذلك .كانت هديل تدرك أن نقطة ضعفها في حل مشاكلها عدم التوافق مع الأهل . ورفض الأنتقال للسكن معهم في مدينة ديربورن هايتس المجاورة فيما لو إنفصلت عن زوجها. وهم لم يكلفوا أنفسهم يوماً بإعتبارها فرداً من الأسرة كي يضعوا صورتها إلى جانب صور بقية العائلة المعلقة في منزلهم . وقد آلمها ذلك جداً وكانها أصبحت منبوذة إلا من تكرار النواهي والأوامر التي كانت تتلقاها كلما إشتكت من عبث بسام . (عليك أن تتحملي هذا الوغد ) . كلمات تواظب على سماعها بعد الحين والآخر . ولكن لاأحد يبالي بمشاعرها ومعاناتها الحقيقية كإمرأة تملك كل مقومات الأنوثة والحق في التعبير عن كينونيتها الإنسانية . الجسد عار وأنا عبثت به منذ زمن . قالت هديل في داخلها . أريد أن أعيد النضارة لجسدي وأحطم تلك الحدود المصطنعة من المفاهيم الغيبية . وذلك الخائن الذي أدمن العيش في وحل الخطيئة . فمن يمنعني من إعادة الكرامة لجسدي المكلوم بإتهامات أنانية الزوج الظالمة . ( أنت عاجزة ولم تعودي تصلحين كي تدفئي فراشي) . هذه الحروف أسقطتها في غمار البحث عن تجديد الثقة بالذات الأنثوية بعد أن تغلغل الشك إلى نفسها ليحدث إضطراباً عميقاً في تكوينها ومفاهيمها ونظرتها للحياة . وقد تساءلت في داخلها . هل أنا على هامش الموت العاطفي المتدرج في أوصالي ؟ . وهل هناك دواء أستطيع إمتلاكه بعيداً عن ذلك الخائن الذي قدمت له كل شيء ولم أجني سوء الإهانة والإستغلال والإستهتار . وغياب الأمان والإستقرار !!! . في كل الأزمنة كان للجسد سلطة لاتوازيها مكرمة إلا خيالات الإنسان . لم تألوا هديل جهداً في أعماقها حين تتخيل نفسها منتظرة ذلك الفارس الذي يأتي على حصان أبيض مثل أحلام كل الفتيات المقبلن على الإنتماء للدنيا بألوانها ومساحاتها الكبيرة يحدوهن الأمل بيوم أفضل . وسعادة أرقى . وهي كإمرأة تعاني من قمع الرغبة لتجربة جديدة . لتؤكد حقها في التواجد على جغرافية الشعور بأنها صاحبة سلطة لايستطيع أحد أن يجردها منها . ألم يعرف المغفلون على الأرض أن المرأة التي قيل يوماً أنها عندما تهز سرير الطفل بيمينها تستطيع أن تهز العالم بشمالها . ولكن هديل كانت مشاع لكل إستضعاف من المحيط الإجتماعي . موصومة بالعار الأبدي فمن يعيد لتاريخ حياتها متعة التحليق بلا قيود علنية أو سرية . كانت تلك الأفكار المبعثرة تراودها أثناء عودتها من مكان عملها الذي يبعد عدة أميال عن منزلها سيراً على قدميها المتعبتين في ظل الإحساس الصاخب بالقهر والألم مما آلت إليه الأمور في حياتها وإنشغال تفكيرها بظروفها القادمة لو حصلت على وثيقة الطلاق المدني من المحكمة الأمريكية في ديترويت . وحيث كان جل إهتمامها البحث عن كيفية ولون وشكل الحياة بالنسبة لطفلها الذي يصارع الزمن كي يغمض عينيه على حلم جمع بسام مع والدته بلا مشاكل أو أحزان وضغوطات ومنغصات . وقد بلغ الخامسة عشر من عمره دون أن يشعر يوماً بقيمة الحب الأسري وليطرد من المدرسة لاحقاً لإعتدائه على أحد التلاميذ بالضرب . ونزوعه إلى العدوانية التي يبذل المشرفون على مدارس مدينة ديربورن جهدهم للتصدي لها . وحيث تتسرب يومياً عوامل جديدة من السلوكيات الشاذة لأبناء الجالية العربية الكبيرة فيها والتي تشكل أكبر تجمع عربي يزيد عن الثلاثمائة ألف نسمة على مستوى الولايات المتحدة . حيث وصل الأمر إلى حدود الإباحية العلنية . مما دفع الكثيرين من الشباب للعزوف عن الزواج من مجتمعها لشيوع ظواهر الحمل والإجهاض عند الفتيات الصغيرات . وإنتشار المخدرات في المدارس . وتشكيل عصابات من المراهقين تدربهم على إرتكاب جرائم السرقة والقتل والإحتيال . والتي تورط فيها الكثير من الشباب العربي الذي ضاع بين ثقافة الإنتماء للمجتمعات الشرقية المحافظة . وبين حرية الإباحية الغربية التي يحميها الدستور والقانون . وقد ينطبق على حال هؤلاء الشباب التائهين القول المأثور : ( ليس اليتيم من إنتهى أبواه من هم الحياة وخلفاه ذليلاً . إن اليتيم الذي تغفى له أماً تخلت أو أباً مشغولا ).. وبينما كانت هديل مستغرقة في صخب تفكيرها وأحزانها حتى تناهى إلى سمعها صوت شاب من داخل إحدى السيارات التي توقفت على جانب الطريق يعرض عليها توصيلها إلى منزلها . كانت كلمات السائق القليلة قد إخترقت متاهات مشاعرها المتأرجحة . ولم تكن لتتردد في الإستجابة لطلبه لحظة . فالجو قاس ببرودته والثلوج تغطي كل الأماكن المحيطة . وبسام منشغل في عمله كسائق في مطار المدينة ولاوقت لديه لإيصال زوجته وإعادتها من العمل . وهديل بحاجة إلى تحرير جسدها وعنفوانها المجروح . والسائق الشامي فواز يجيد العزف على الكلمات التي تخدر النفس والفكر والقلب قبل أن تفعل المخدرات والسموم الحقيقية فعلتها في تغييب هديل عن الإحساس بديمومة الحياة ...يتبع

الثلاثاء، 25 مايو 2010

قصتي مع هديل .. الحلقة الخامسة .. بقلم الرحالة العربي ابن الجبيلي


من سلسلة من قصص وتجارب على حلقات

الحلقة الخامسة


كانت الأحداث التي أحاطت بحياة هديل قد أفرزت عوامل إجتماعية ونفسية حادة جداً في واقع عموم أفراد أسرتها في قرية خبب . وكان الهم الرئيسي لها هو البحث عن مخارج لتجنب المزيد من التوترات . ولهذا كان الإتفاق السري مع زوجها بسام أفضل الحلول لتغطية حيثيات الفضيحة . وتحقق للزوج الإنتهازي كل مايخطر ومالايخطر على باله من أهداف كان يبحث عنها ..المال والمتعة.. والإتكالية والإستغلال . والإستفادة من جذور جد هديل لوالدها الذي عاش معظم حياته في أمريكا وأنجب من زواجه من إمرأة أمريكية ثلاثة بنات إحداهن السيدة جنيفا التي كان لها الفضل في تسهيل هجرة أسرتها إلى الولايات المتحدة . والقانون الأمريكي يمنح صلة القرابة الحق في جمع الأقرباء ويسمى بقانون ( لم الشمل ) كانت عمة هديل إمرأة على علاقة ونفوذ كبير في الإستخبارات الأمريكية السي آي إي وقد عاصرت فترة عمل المبعوث الأمريكي إلى متاهات الحرب اللبنانية والإجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982 وخروج الفصائل الفلسطينية منه. فقد كانت أخت جورج في الوكالة على علاقة مباشرة مع فيليب حبيب ذو الجذور اللبنانية والذي كان دوره أساسياً كمبعوث شخصي للرئيس الأمريكي للتوصل إلى حلول مع مختلف الأطراف ذات العلاقة مع الأحداث . وكانت سورية في عهد الرئيس الراحل حافظ الأسد لاترتاح لدوره المشبوه مما أدى إلى توترات مع إدارة الرئيس ريغان وخاصة بعد إسقاط طائرتين أمريكيتين في الأجواء اللبنانية من قبل الدفاعات الجوية للجيش العربي السوري أثناء المواجهة العسكرية في أجواء منطقة بحمدون الجبلية بمساعدة المدمرة نيوجرسي وقد تم أسر العقيد الطيار الأمريكي روبرت غودمان وقتل الطيار الآخر . وأصيب طيار ثالث بجروح وتم إنقاذه وذلك في الرابع من كانون الأول عام 1983 . حيث آثرت سورية عدم الإعلان الرسمي عن ذلك في البداية وترك الأحداث تتصاعد وسط تكهنات بعدم قدرة سورية على التصدي لطائرات البحرية الأمريكية المتطورة من طراز ماك 14 . حتى كان الإفراج عن العقيد الطيار صفعة لمصداقية الرئيس الأمريكي الذي تورط بالإعلان عن عدم تصديقه أنباء وجود الطيار في سورية أو خبر إسقاط طائرة أمريكية . وبعد تلك الأحداث الدرامية تم تسليم الضابط المذكور للقس الأمريكي السيناتور جيسي جاكسون لدى حضوره إلى دمشق . وتمت أعادة غودمان إلى الولايات المتحدة في الثالث من كانون الثاني عام 1984 بعد رفض سورية المتكرر للإفراج عنه وربطها ذلك بتطور العلاقات مع الجانب الأمريكي رغم إلحاح الرئيس ريغان شخصياً على إطلاقه بهدف الإستفادة السياسية من زحمة الإستعدادات للإنتخابات الأمريكية . كان السيد جورج والد هديل قد كشف لي عن علاقة شقيقته وإستعدادها الدائم لدعمه ومساندته رغم عدم إرتياحها لطريقته وسلوكياته في الحياة . وفي أمريكا وجدت هديل نفسها في عالم آخر . عالماً جديداً يختلف عن الحياة الشرقية بكل ألوانها . وقوانين تتيح للحياة أن تكون أكثر إستقراراً وطمأنينة بموجب قانون المساعدات الإجتماعية للعاطلين عن العمل وغيرهم . ووجدت نفسها في إطار من النظم والقوانين تستطيع من خلالها تحقيق بعض الإستقلالية في سلوكياتها ونوازعها . وقد عزمت على الإستفادة من أقصى حدود للغة الجسد . وهي التي عانت الأمرين من عبث زوجها الإباحي العلني مع النساء الذين وجدتهم يحتلون فراشها بفظاظة دون أن تستطيع البوح بحقها الإنساني بالرفض وبالموقف المتمرد والتصدي الطبيعي لهذه الممارسات . والرد على إهانة أنوثتها الطاغية رغم آثار جراحاتها النفسية العميقة التي تراكمت على حياتها وعصفت بشخصيتها وأفكارها ومشاعرها منذ زمن . كانت تشعر بذل الحقيقة التي إستغلها بسام بشكل قاس جداً . أليست هديل عار أسرتها الدائم ؟ ألم يدفعوا له ليصمت عن الحقيقة ؟ هو يعتقد بأنه ساعدها كثيراً مقابل مساعدته على الهجرة لأمريكا . أما هديل فقد ( ندمت على ذلك كثيراً ) . ( ستة عشرة عاماً لم يقل لي فيها كلمة .. أحبك ) . ( وكم فكرت مرات ومرات بقتله بصمت وربما بذبحه بسكين المطبخ في البيت ) . هكذا قالت لي أكثر من مرة .. لكني حذرتها من التفكير بذلك لأسباب كثيرة . ولأن رسالتي الإنسانية هي في نشر المحبة والسلام بين البشر لا لشيوع الضغائن والجرائم والأحقاد والعنف ... يتبع

الاثنين، 24 مايو 2010

قصتي مع هديل .. الحلقة الرابعة .. بقلم الرحالة العربي ابن الجبيلي


من سلسلة قصص وتجارب على حلقات

 
الحلقة الرابعة

إنشغل الجميع في محاولة إنعاش هديل التي لم تتحمل رؤية وجه والدها الذي تلعثمت الكلمات في حنجرته كانت نظراته الحادة تعكس أنين قلبه المجروح ومشاعره الغاضبة في الأعماق وقد حاول أهل الشاب الذين كانوا يخفون علمهم بحقائق لوعرفها والد الفتاة لحدث مالم يكن أحد قادراً على تصوره أو الإحاطه به . كانت هديل حاملاً من شاب آخر تورطت بعلاقة حميمية به قبل تعرفها على الشاب الجديد . وقد حاول والد الجنين أن يتقدم لخطبتها لكن الأهل رفضوا طلبه الذي تكرر مرات دون جدوى . وفي فترة قصيرة جداً أصيب الشاب الذي يكبرها بستة أعوام بمرض خطير في الرأس تم تشخيصه على أنه حالة صرع من قبل الأطباء وربما ورم لم يتم السيطرة عليه فقضى بعدها بشهر ضحية القدر والحزن واليأس من إيجاد حل لهذا الحمل وإنعكاساته على حبيبته التي عاشت أياماً وأسابيع من التوتر والقلق مع غياب أي علامات نسائية تنبىء بإمكانية التوصيف الخاطىء للحمل . ولم يكن بالمستطاع أن يتم اللجوء إلى إسقاط الجنين كحل يجنب الجميع فضيحة العار . حتى ظهر الشاب الجديد والتي تعمدت هديل الهروب معه وبناء علاقة عاطفية متسرعة مرة أخرى في حياتها للتمكن من حل المشكلة الخطيرة وإخفائها عن مجتمع القرية الوادعة ذات اللون الواحد من الإنتماء الديني . وكان لابد من أن تتجنب تكرار موقف الأهل لرفضهم الشاب الأول لأنه لامجال للتعامل مع دورة الزمن ببطىء قد يحدث كارثة إجتماعية في مجتمع متعصب تتوقف ملامح هدوئه على خبر من هنا أو هناك يمس الشرف والكرامة الإنسانية . وعذرية الفتاة عنوان دائم لشرف الأسرة وسمعتها عبر الزمن . وقد لعب القدر دوره في حل المشكلة بعد هروبها إلى منزل الشاب الثاني بفرض عمها الزواج الفوري دون علم حتى من أهلها ووالدها على وجه الخصوص لأن العم إدوارد قد تناهى إلى مسامعه أنها تورطت مع شاب في علاقة محرمة إجتماعياً حتى رتب مع الكنيسة زواجاً تكتنفه الكثير من الأسرار . وقد آسر الشاب الجديد الإعتراف للعم المذكور بأنه لم يكن الشاب الأول في حياتها . مما دفع ذلك العم إلى ضرب هديل على مؤخرة رأسها وأصابها بعاهة دماغية ترافقت مع صداع مزمن لازالت تعاني منه منذ ثمانية عشرة عاماً . وقد عجز الأطباء في أمريكا عن إيجاد حل ناجع لمأساتها الإنسانية . وقد علم الوالد بحقيقة أسباب تسرع العم بتزويجها قسرياً وبسرعة قياسية لايمكن للعقل تصورها دون أن يكون على علم بحيثيات متاهاتها وغموض مقاصدها حيث تحقق للشاب الإنتهازي الجديد كل مايصبو إليه من تحقيق متعة مع إمرأة جميلة جداً ومساعدة شهرية قدرها خمسمائة ليرة من راتب الوالد المسكين . والشرف نار إذا تم إيقادها فإنها قد تعصف بحياة كل المنتمين للأسرة بواقع الدم أو القرابة أو التاريخ الإجتماعي . ومع مضي السنين نكث الشاب بسام بعد زواجه منها بوعده بالتستر على الحقائق . وبطبيعة الحال لم يدفع مبلغ الخمسة والعشرين ألف ليرة ثمناً للتصالح مع والدها بعد عملية الخطف المتفق عليها مع هديل بل خان العهد بتهديدهم بإفشاء الأسرار كلما رغب بإبتزازهم بالمزيد من المساعدات والأموال حتى ولادة الإبن المكلوم بالمأساة حيث لم تشعر هديل يوماً بماهية دور الأم أو لذة ممارستها فكيف تصنع مستقبلاً للوافد الجديد وقد ولد من رحم الخطيئة ... يتبع

السبت، 22 مايو 2010

قصتي مع هديل .. الحلقة الثالثة .. بقلم الرحالة العربي ابن الجبيلي


من سلسلة قصص وتجارب على حلقات

الحلقة الثالثة

عدل السيد جورج من جلسته قرب طاولة مكتبي في مدينة ديربورن وقد لمعت في عينيه حرارة دمعة تعكس شعوراً بالإنكسار النفسي العميق . حاول إخفائها أمامي ليغوص بذاكرته البعيدة في بحر الأحزان والجراح التي أرخت للتجاعيد في وجهه آثار المعاناة والعذاب الفكري والإجتماعي بسبب تلك الأحداث الصعبة والتي وضعته كرجل عمل في جهاز أمن الدولة السياسي لفترة من حياته في سلك الشرطة ومراقبة الحدود مع الجوار الجغرافي في وضع محرج جداً لايحسد عليه . فكيف يستطيع التصرف وهو يواجه عاراً يمكن أن يدمر سمعته ومكانته الإجتماعية بين الناس للأبد . وهو الحريص على شكل من الكبرياء والإحساس بالعزة والكرامة ونظافة اليد والعفة والمسؤولية بين أبناء بلدته على أطراف الأرض المحتلة في مرتفعات الجولان . أرخى رأسه قليلاً وهو ينظر للسجادة الحمراء على أرضية الغرفة محاولاً إستعادة تفاصيل تلك الليلة التي فرضت عليه أحداثها مرارة الحزن والغضب وجرح العنفوان .. وقال لي كان الوسطاء قد طلبوا مني أن أحدد مطالبي بعد هروب هديل مع ذلك الشاب إلى منزله ومبيتها عند أهله في القرية .. طلبت منهم مبلغ خمسة وعشرون ألف ليرة تعويضاً عن الفضيحة العار . وقد علمت بالموافقة على ذلك رغم علمي بأن الشاب لايملك ولايمكن له تأمين هذا المبلغ يومها . وكان في ذهني أشياء وأشياء لايمكنهم فهم حقيقتها . وطلبت إجتماع الوجهاء منهم والأعتراف بالخطيئة التي حدثت بواقع الخطف المتبادل أو الهروب إلى بيته وعدم العودة لبيت أهلها . وأن يصار إلى تقديم الأعتذار العلني عن ذلك قبل إبداء الصفح والتسامح.. وهنا لمحت مرة أخرى على تعابير وجهه ضخامة الصراع النفسي الذي لم يتجرأ على تجاوزه قبل حوارنا في مكتبي . ودمعت عينيه مرة أخرى بحرارة الحزن الدفين وهو يقول : مشيت في آخر الليل على دروب القرية الترابية ومعي أطفالي الصغار وصرة من ملابس إبنتي ( أربعة عشرة عاماً ) محمولة على كتفي وأكاد أن أسقط على الأرض في كل خطوة تقربني من منزل ذلك الشاب !! . كنت منكسر النفس . محطم الجناح . مهزوم الخاطر والكرامة . ولم أكن قادراً على إستيعاب ماحدث رغم كل الخطوات التي فرضتها كشروط على الآخر من خلال الوسطاء والتي تم قبولها جميعاً وبالأخص إصراري على المبلغ الذي قاموا بجمعه من أهله وأقربائه . ولم يكن هدفي قبوله أبداً ولكني كنت أعد لمفاجأتهم بموقف لايستطيعون الرد عليه . وهذا ماحدث في الإجتماع الكبير لحل المشكلة بسؤالي : ومن يعيد إلي كرامتي المهدورة ؟؟؟ . وأكمل الوالد ذكريات ذلك اليوم القاسي والحزين قائلاً : في كل خطوة كنت أشعر بالموت ألف مرة . وتذوب أعصابي في عتمة الليل الحالك الظلام . وتتمزق شرايين قلبي بقسوة القدر . حتى فتح الباب والجميع يتوقع المفاجآت . وفي الأذهان آلاف التساؤلات من يضبط إيقاع الفعل المجهول . فقد تفلت الأمور من زمام السيطرة وتقع جريمة قتل مباشرة . وربما تحدث كارثة من نوع آخر . وأضاف : وماأن رأتني هديل حتى سقطت على الأرض في منتصف قاعة الضيوف مغشياً عليها من شدة الخوف والرعب والموقف الصاعق !!! . يتبع

الجمعة، 21 مايو 2010

قصتي مع هديل .. الحلقة الثانية .. بقلم الرحالة العربي ابن الجبيلي



من سلسلة قصص وتجارب على حلقات

الحلقة الثانية

قلت لها : أشعر بألف كتاب في داخلك يئن للتمتع بالحرية والإنطلاق . هل لي أن أشهد معك عرس البوح بالذكريات الدفينة في الأعماق . نظرت لي وكأنها تسرح نحو المجهول البعيد . تستعيد شريط الذاكرة المتعبة على محاور الدنيا . وبدأت تتحدث كأنها تكتشف أسرار الطفولة المنسية وقد نطقت بحروف تشبه الطلاسم حتى جاء صوتها من الصمت المحدق فينا . أسقطت بتدخلي الهادىء عليها خلوتها مع مساحة العودة المؤلمة إلى بدايات النشأة الإجتماعية التي رافقتها العصافير والطيور بفرح الروح . قالت لي وهي تكاد تغمض عينيها لترحل عن الزمان والمكان إلى هناك حيث تفصلها اليوم آلاف الأميال :
لم أكن أدري ما الذي كان يحمله لي ذلك الصباح ولكني كنت أحس بشيء غريب يقترب من صدري ويضغط على أنفاسي . إستيقظت على نور يوم جديد . كانت الشمس ترسل أشعتها الذهبية لتغطي مساحة قريتنا الصغيرة خبب وتسكن بين بيوتها الحجرية العتيقة وهي تنام يومياً على صلابة الأحجار والصخور البازلتية السوداء وتشم رطوبة الأرض ورائحة مكوناتها الريفية التي تنبعث منها نسائم الطبيعة الخلابة والبسيطة ويزيد من تألقها وجود تلك الأشجار الوارفة من مختلف الأنواع وإنتشار مساحاتها بين الخضرة والقحط . أخذت نفساً عميقاً يهدر بصمت الآهات وتابعت : كنت أعشق بيت جدتي التي تكونت فيه أجزاء غزيرة من ذاكرة طفولتي . كان كل شيء في زواياه وغرفه المتناثرة تأسر ألبابي وتجعلني أشعر بقيمة الحياة . وصرت أتمتع بشعور خاص حين أعبر الدرج الخارجي لأقفز بين فواصل البناء بإتجاهي إلى غرفة المطبخ المعزول عن الساحة الخارجية للبيت . وقد تعلقت كثيراً بذلك المنزل لوجود جدتي فيه والمواقف الحنونة التي إحتضنتي بها كلما مكثت معها . حيث كانت تقدم لي أطيب أنواع الطعام والحلوى في كرم يعكس طبيعتها السمحة والحنونة والكريمة ولكن تمر بعض الظروف والأحداث التي لم أكن أفهمها . ويتدخل القدر أحياناً لتعصف الخلافات بين جدتي وعائلتي فأفقد تلك الإمتيازات التي أجدها عند جدتي الطيبة . وبطبيعة الحال لم أكن على قدرة أن أبوح برغبتي في مخالفة مفاهيم أسرتي والتردد على جدتي . ومع وقت التباعد الذي يطول أحياناً . يسود الحنين والأشواق لها دون أمل بتجاوز الخلافات التي كنا كأطفال ندفع ثمنها بحرماننا من كل المأكولات اللذيذة التي نتناولها في بيت جدتي . ولكن لاحيلة لي في أن أفعل شيئاً ومع الوقت بدأت التعود على ذلك التباعد رغم رغبتي بزواله . كانت أمي من النوع الذي إذا أصر على شيء لايمكن لكل الدنيا أن تغير رأيها . على عكس والدي الذي كنت ألمس التشجيع والمساندة منه على بعض الحرية والأستقلالية في التعبير عن نفسي وسلوكياتي . ومع ذلك فأنا لاألوم أمي على أفكارها وسلوكها فهي بنت بيئتها . ومتى كان الإنسان مستقلاً عن بيئته الإجتماعية . ولكني لم أعرف يوماً عن واقع ظروفها الأسرية مع أهلها . فقد كنت صغيرة ولاأفقه في هذه الأمور وتعقيداتها . وكان جل إهتمامي في بدايات طفولتي الغضة أن أثبت للمحيطين بي من أطفال الجيران والمدرسة أني أقوى منهم جميعاً . وكان طولي يمنحني سلطة فوقية يتمناها الكثيرون وخاصة الأولاد الذكور الذين عانوا الأمرين من سطوتي عليهم وتأديبهم عبر صفعاتي وقبضات يدي الحاسمة إضافة لركلات أقدامي التي كنت أجيدها بمهارة يحسدني عليها كل من ذاق طعمها ولم ينساها . وكنت أشعر بسعادة غامرة وأن أرى الآخرين يستسلمون لفتوتي القوية . كنا نقضي ساعات في المدرسة نتلقى فيها مختلف أنماط المعرفة والعلوم والتربية وقد تميزت بين أقراني من التلاميذ بكثرة الحركة وصخب محاولات الأستحواز على الزعامة المبكرة منذ الطفولة . حيث كانت ضحكاتي أكبر من قدرتي على فهم حالة الأطفال الذين أتسلى بمتعة كسر أي محاولة منهم لمواجهتي . وكانت أمي تتلقى سيلاً من الشكايات ضدي من معلماتي . ولكني لم أهتم يوماً بذلك . وكنت سعيدة بمساندة والدي المعنوية لي في ضرب كل من تسول له نفسه مواجهتي أو تحدي سلطتي الفوقية عليهم . تتمة .......






الثلاثاء، 18 مايو 2010

قصتي مع هديل .. الحلقة الأولى .. بقلم الرحالة العربي ابن الجبيلي


من سلسلة قصص وتجارب على حلقات

الحلقة الأولى


لم أكن أتوقع في مساء ذلك اليوم من بدايات شباط أن يجعلني في مواجهة أجمل وأقسى الأقدار في حياتي . وعندما سمعت صوتها تراءى لي أنني قد سقطت من إحدى ناطحات السحاب وشعرت بالصدمة لهروب قلبي مني ونجاحه في التخلص من سيطرتي عليه والإفلات ساخراً من محاولاتي العقيمة تحديد حركاته وسكناته وآهاته بعدما عشت سنوات طويلة من الألم والعذاب الذي تسببت به زوجتي السابقة . وقصة ضياعها بين رياح الثقافة الأمريكية ونوازعها وغراباتها . وسوف أتحدث ( عن هذا فيما بعد ضمن إطار مذكراتي وقصصي وتجاربي مع الحياة بكل ألوانها ومتاهاتها ) . وكنت قد آليت على نفسي ألا أسمح لقلبي أن ينبض بالحياة مرة أخرى رغم مرور ستة سنوات كانت حافلة بالوحدة والغربة . وأتذكر جيداً محاولات الكثيرين من أصدقائي المخلصين إنهاء عزلتي لنفسي ولطموحاتي وأحلام قلبي العنيدة . أن ينعشوا فيّ الإحساس بالعودة إلى مربع الحب الكوني الذي أختزنه للمرأة في داخلي . فقد كانت جراحاتي أعمق من أن تداويها إمرأة مهما ملكت من قدرات وجمال وإغراء . كنت أجلد قلبي يومياً حتى لايتجرأ على العصيان . إلا أنني شعرت بالهزيمة المريرة مع سماعي لنبرات صوتها الصادق في تلك الليلة . ولبت القلوب الدعوة بسرعة غير مألوفة . وإلتقت العيون وساد صمت خلته دهراً . كانت أفكاري تهرب من تلافيف دماغي وصفحات ذاكرتي . ومشاعري الراقصة فرحاً تتباهى بإنتصاراتها على توجهاتي السابقة . وسؤال يدق رأسي بقوة . كمطرقة جل ماوجدت لأجله تكسير الصلابة التي تعترضها . من أنت أيتها المرأة الساحرة ؟ من علمك طلاسم الحياة لتسقطي قلبي المسكين الذي دربته على كل أنواع الفنون لتحمل صعوبة مختلف المواجهات والظروف . والمناخات والمجاهيل والأحداث المستمرة على رصيف الواقع . كيف تجعلينني مصدر سخرية لغرور كبريائي وعنفواني وسطوتي على قلبي . وبنظرة خاطفة من عينيك . وبسمة أسطورية من شفتيك تنهار كل الحصون في دفاعاتي وعواطفي وأسوار حياتي !. من أنت لتأسري قلبي وتشتتي أفكاري وتعبثين بأنامل روحي . لأول مرة في حياتي أشعر بالخوف من المجهول . وتتراجع ملكات عقلي القادرة على تفسير أحلام النجوم .وأجد نفسي أستمع إلى كلماتها تتغلغل إلى أعماقي دون أن أملك القدرة على الإحاطة بحروفها . وإستسلمت للقدر الآتي . ولإضطراب البصر . وضعف الحيلة في مخاطبة وجه إمرأة بشكل قمر . إحتل عيوني فجأة ولم أعد أرى بعد ذلك أي وجه لإمرأة في العالم . أيها السحر الذي هزمني بوجه هذا الملاك . وأحالني إلى كتلة من براكين العواطف الإنسانية . وأحرق مابقي من أفكار بالية في أعماقي . رفقاً بإنسانيتي . لقد توحدت روحي معها . وإرتفعت حرارة خوفي من فقدانها . أليست المرأة التي صعقت كياني . وسحقت روحي ووجداني . ومابقي من أطياف ذكرياتي . كيف أحمي نفسي التي صهرتها بلا رحمة بين دفقات روحها البريئة الطيبة . لابد أن أدافع عن سماء أحلامي وهواجسي . وإستقلاليتي التي فقدتها . وبدأت أحاول إمتلاكها . لاقسوة بل خوفاً من المجهول . من رياح لاتعرف معنى معاناتي ومرارة أناتي . وجراحاتي وآلامي . وكانت العواصف التي شكلت ذاكرتها الإجتماعية وعذاباتها التي ترسخت منذ طفولتها تشعرني بمزيد من رهبة الخوف عليها لطيبتها الغير متوازنة مع حدة المواقف التي عصفت بحياتها في مختلف مراحلها وسط عوالم غريبة تستغل أنبل المشاعر والمبادىء والأوضاع الإنسانية . وفي ذاكرتي عبر السنين كمٌ ضخم من تلك الصور المأساوية . ولاأرغب أن ينالها شيء من ذلك . كنت أخاف عليها من رموش عيني لو أغلقتها عليها بقوة متسرعة . وكيف أركن لمحيطها وهو يتباهى في أعماقه بضعف وجودها في مكوناته الفاسدة المتناقضة . وقد آلمني أنها قد أصيبت بسهام لاترى فيها إلا الأنثى الخاضعة التي تعطي بلا حدود . وتتحمل تمزيق كبريائها ونزيفه اليومي وهي ترى الخيانة أمام عينيها . وتذوب مشاعرها الجريحة حتى تغييب الوجود . وكنت قد بدأت أستشعر يومها قسوة الأقدار التي دمرت حياتها منذ كانت في الثالثة عشرة من عمرها . وأمني النفس بالقدرة على التوحد مع جهودها لمواجهة آثارها . نظرت إليها محاولاً أن أستعيد بعض وجودي في حضرتها الملائكية . قلت لها : أنا أعرفك منذ عشرين عاماً رغم أننا لم نلتقي يومها . هل تسمحين لي أن أرسمك شعراً لايشبه الكلمات !!! . أجابتني : لاعليك . فقد إعتدت أن أذوب في بحر الكلمات والأفكار رغم أني لم أعرف حلاوتها في حياتي . وأرى أنك ستطير فرحاً بأحلامك وسط الأفلاك . وأنا أحب القمر . وعندما رسمت على شفاهها وهج القمر . خلت نفسي تحلق معها في ربوع الكون كله بنوره وسمائه . وأسراره وعليائه . وشعرت حينها بواجب تقديم الولاء للقمر في وجهها . وللضياء في عيونها . وللألوهية المحفورة في عواطفها . وبدأت أتوسل للقمر أن يمنحها الأمان . ويعزز في أعماقها روعة الإحساس بالسلام . وقد تم حرمانها منه بأمر جرمي من عمها الذي لم يأبه لصرخاتها الصامتة وهي في الطريق نحو ذبح إنسانيتها البريئة تحت حماية القانون . أيها القمر ساعدنا كي نكون جزءاً منك . إمنحنا الفرصة لنهيم بحبك وسمائك . وطهارة لونك ومحيطك . أيها القمر نحن أبناؤك العاشقون لاتغرب عنا فنحن تائهون من دون إطلالتك على قلوبنا . أعطنا الحرية التي تجعلنا موحدين معك . سابحين بصفائك ونورك . مكللين بغارك ... يتبع ........

الاثنين، 18 يناير 2010

واقع مصر في عهد التبعية والخيانة المستمرة للحقوق الوطنية والقومية . مقال يستحق الإهتمام للكاتب المصري عبد الحليم قنديل ( سيادة مصر وسيادة الرئيس )؟؟؟





قد يصح أن نعتذر للخيانة نفسها، فلم يعد لفظ الخيانة ملائما لوصف الانحطاط والتدهور الذي آلت إليه سياسة النظام المصري.
وربما لايليق أن ننعت النظام بصفة 'المصرية'، فليس لنظام مبارك من المصرية شيء، اللهم إلا معنى الجنسية، وليس صحيحا أن النظام يبني سياسته على مبدأ 'مصر أولا'، بل تبنى له السياسة على أساس مبدأ 'إسرائيل أولا'، في مصر، فوجود النظام في ذاته يتناقض مع أبسط معايير الوطنية المصرية، فمصر دولة دور، ومعاركها الوجودية الكبرى دارت إلى ما نسميه الشرق العربي الآن، ومن 'قادش' رمسيس إلى 'مجدو' تحتمس، وإلى 'حطين' صلاح الدين، وإلى 'عين جالوت' قطز، وإلى معارك إبراهيم باشا ساري عسكر عربستان، وإلى معارك عبد الناصر العسكرية والسياسية، وإلى حرب أكتوبر 1973، بعدها انزلقت مصر إلى 'الثقب الأسود'، وإلى انحطاط تاريخي نهبت فيه ثرواتها، واستذل أهلها، ونزلت إلى قاع التاريخ الجاري، خرجت من سباق الأمم، وصارت مجرد عزبة لعائلة السياسة الفاسدة وأغواتها وممالكيها ومليارديراتها.
ومن العبث ـ مع هذه الظروف ـ أن نتحدث عن سيادة مصر وكأنها سيادة الرئيس، أو سيادة العائلة، فوجود الرئيس في ذاته، وبالطريقة التي يحكم بها، هو انتقاص من سيادة مصر، فلم ينتخبه أحد في مصر، ولا فوضه شعبها، بل يحكم بتفويض أمريكي إسرائيلي، وينفذ ما يطلب منه بالحرف، ويدفع لحساب إسرائيل لكسب رضا 'الباب العالي' في واشنطن، ومقابل أن يبقى له الحكم ولذريته ومماليكه من بعد.
وربما يلفت النظر، أن أحمد أبو الغيط ـ وزير خارجية الرئيس ـ يعلن أخطر القرارات من واشنطن لا من القاهرة، وعلى طريقة إعلانه الأخير من واشنطن عن قرار المنع التام لقوافل الإغاثة إلى غزة، فقرارات النظام 'السيادية' الكبرى تصنع في واشنطن، وتعلن هناك، وإن كان يسمح أحيانا بإعلانها من القاهرة على سبيل التمويه، وتلك قصة مريرة طويلة بدأت عقب حرب أكتوبر 1973، وخذلان السياسة لإنجاز السلاح، فقد بدا كيسنجر ـ وزير الخارجية الأمريكي الصهيوني الشهير ـ مأخوذا بتنازلات الرئيس السادات، وفي غرف المفاوضات المغلقة بالذات، ففي كتابه (أكتوبر 1973: السلاح والسياسة)، يروي محمد حسنين هيكل ـ المقرب وقتها من السادات ـ واقعة مذهلة، فقد عرض السادات على كيسنجر مالم يتوقعه الأخير في حياته، قال له: إن جاءتكم فكرة أو مبادرة فاعطوها لي، وأنا أعلنها باسم مصر، لماذا؟ لأنها إذا أعلنت باسم واشنطن وقبلتها، فسوف يتهمني المصريون بالتبعية، وإذا أعلنت باسم إسرائيل، وقبلتها، فسوف يرميني المصريون بتهمة الخيانة، والحل: أن أعلنها باسم مصر، وتبدو مبادرة مصرية ونجاحا مصريا.
وعلى طريقة 'تمصير' الرغبات الأمريكية والإسرائيلية، يمضي الرئيس مبارك، فرغبات واشنطن تبدو كأنها مبادرات القاهرة، وتبدو سيادة إسرائيل كأنها سيادة مصر، مع أن القاصي والداني يعلم أنه لادخل لمصر في الموضوع، وأن اسم مصر ـ له المجد في العالمين ـ بريء من تنازلات العائلة الحاكمة، وأن سيادة مصر الحقيقية منتهكة ومضيعة من زمن طويل، لانتحدث عن أسرار، بل عن حقائق مفزعة مدونة في الملاحق الأمنية لما يسمى معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية، فبعد حرب أكتوبر 1973 مباشرة، كان لمصر 70 ألف جندي في سيناء إلى شرق قناة السويس، وكان لها ألف دبابة، ونزل التعداد ـ باتفاقي فض الاشتباك الأول والثاني ـ إلى سبعة آلاف جندي وثلاثين دبابة لاغير، وبعد مقايضات المعاهدة المذلة، صارت الصورة مرعبة، فقد جرى حجز الوجود العسكري المصري ـ بفرقة مشاة ميكانيكية واحدة ـ إلى مسافة 58 كيلو مترا شرق قناة السويس، وعرفت هذه المنطقة ـ في ملاحق المعاهدة ـ باسم المنطقة )أ )، ثم جرى إخلاء المنطقة(ب) ، وبعرض 109 كيلومترات، من أي وجود عسكري مصري سوى أربع كتائب حرس حدود، وفي المنطقة ( ج )، وبعرض 33 كيلو مترا، وإلى حدود مصر مع فلسطين المحتلة وغزة، جرى نزع السلاح المصري بالكامل، وقصر الوجود على قوات شرطة مدنية، ولم تسمح إسرائيل إلا لاحقا، وفي اتفاق ايلول (سبتمبر) 2005، سوى بوضع 750 جنديا من حرس الحدود، وبغرض محدد هو مطاردة وردم 'أنفاق الحياة' الواصلة من رفح المصرية إلى رفح الفلسطينية، وفي كل سيناء جرى حظر إقامة أي مطارات أو موانىء حربية مصرية، بل أن مقر إقامة الرئيس نفسه في شرم الشيخ يقع في المنطقة منزوعة السلاح المصري بالكامل، أي أن الرئيس يقيم في منطقة منزوعة السيادة المصرية، وتحت حد الحراب الإسرائيلية القريبة، وفي وسط تشكيل من قوات متعددة الجنسيات، وتعرف باسم MFO، أو 'ذوي القبعات البرتــــقالية'، وغالب هذه القوات أمريكي، وقيادتها أمريكية، وتدفع مصر نصف ميزانيتها البالغة سنويا 65 مليون دولار، ولهذه القوات ثلاث قواعد، أولاها في 'الجورة' شرق سيناء بالقرب من الحدود، وثانيتها في جزيرة 'تيران' السعودية بخليج العقبة، وثالثتها إلى جوار شرم الشيخ، ووظائف هذه القوات الأجنبية معروفة، فهي تراقب أي إخلال محتمل بترتيبات نزع سلاح سيناء، ولها حق التدخل عند اللزوم، والبدء في تطبيق مذكرة تفاهم أمريكية ـ إسرائيلية موقعة في 25 آذار( مارس) 1979، أي قبل أيام من توقيع معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية، وتتضمن تعهدا أمريكيا بالتدخل عسكريا ضد مصر في حال تهديد أمن إسرائيل.
ماذا تعني هذه الصورة؟ تعني ـ ببساطة ـ أن قصة السيادة المصرية من أحاديث الخرافة، وأن الموجود هو العكس بالضبط، فقد أعيدت سيناء إلى مصر منزوعة السيادة، أعيدت على طريقة الذي أعادوا له قدما وأخذوا عينيه، فقد جرى نزع سيادة السلاح في شرق مصر، وفي القاهرة تكفلت المعونة الأمريكية ـ ومضاعفاتها ـ بالباقي، أعادت تشكيل نخبة الحكم والمال، ونزعت سيادة قرار السياسة والاقتصاد، وضعت مصر في القيد الحديد، ووضع على فمها قفل بيت الرئاسة، وراحت مواردها تنهب كما لم يحدث في تاريخها الألفي، وطفت وطغت طبقة من مليارديرات المال الحرام، فيما تحول الشعب المصري ـ في غالبه ـ إلى أفقر شعب في المنطقة، وبين الثراء الناهب والفقر الكادح، جرت إقامة أضخم جدار أمني، جدار مصفوف من العسكر السود والخوذات السوداء، وبحجم مهول وصل بقوات الأمن الداخلي إلى مليون و 700 ألف شخص، وهو ما يتعدى ثلاثة أضعاف حجم جيش مصر العظيم.
والمحصلة ظاهرة، مصر تحت الحصار، تماما كما أن فلسطين تحت الحصار، وجدار العار عند الحدود هو امتداد لجدار القمع في القاهرة، ولا أحد تحت الحماية سوى العائلة ومليارديراتها ورعاتها الأمريكيين والإسرائيليين، أما مصر ـ بغالب أهلها فقد انتهت إلى عين الرعب، وإلى خلط البصائر والمصائر، وإلى سحابة دخان كثيف تطلقه وسائل الاعلام المملوكة للنظام وأجهزة أمنه ومليارديراته، وإلى عبث عقلي بلا آخر، وإلى زحام من مشاهد الدم، وإلى حديث عن سيادة البلد وكأنها سيادة الرئيس.
هل يتبقى بعد ذلك من معان محددة مفهومة لعبارات من نوع الأمن القومي وسيادة مصر؟ وهل يجرؤ النظام على اعلان الحقيقة في سيناء؟ أو على إشهار الذمة المالية للعائلة والأصهار والأصحاب؟ بالطبع لا يجرؤ النظام على شيء من ذلك، وربما لا يصح أصلا أن تسأله في شيء أو عن شيء، فاختصر الطريق، واسأل رعاته في واشنطن وتل أبيب، إسأل في العناوين الحرام عن نظام ولد ويعيش في الحرام .