الاثنين، 3 أغسطس 2009

رجال يستحقون دموعنا وفخرنا . شفيق الحوت في ذمة الله وضمائر المناضلين على إمتداد الأمة العربية والشرفاء معن بشور: شفيق ثالث ثلاثة فلسطينيين كبار رحلوا

_ الصورة الأولى : للسيد معن بشور .. والثانية للفقيد الراحل المناضل شفيق الحوت في مكتبه بمدينة بيروت يتحدث مع بعض الضيوف


لم يتمكن سرطان اليأس المتفشي والإنقسام المتفاقم من النفاذ يوماً الى روحه وعقله وفكره ، رغم إنتشار عوارضه في غير ساحة ، ولكن سرطان الجسد أجهز عليه في أسابيع قليلة فصمت صوت 'أبي الهادر' وتوقفت دقات القلب النابض أبدا بحب فلسطين ولبنان والأمة بأسرها .
في حكايته مع المرض العضال يروي الأطباء ، كما افراد عائلته، كيف ان شفيق الحوت إعتبر نفسه في مواجهة أخرى
من مواجهاته التي لم تتوقف منذ كان طالباً في الجامعة الأمريكية في بيروت إلى أن بات سياسياً وقائداً مؤسساً في منظمة التحرير الفلسطينية والعديد من أطر العمل القومي العربي ، والقومي/الاسلامي ، مروراً بمرحلة الصحافة التي عاشها كل حياته، حيث كانت الكلمة معه جمراً، والقلم سيفاً ، والرأي هو شجاعة الشجعان ، غير أن ألم شفيق الحقيقي كان ، في أيامه الاخيرة ، وهو الذي نجا من الإغتيال الصهيوني وغير الصهيوني أكثر من مرة ، أنه مات على الفراش وليس في ميادين الكفاح .
بعد اليوم، ستفقد منابر فلسطين ولبنان والأمة فارساً من فرسان الحق والحقيقة ، وسيغيب عن مجالس الأحبة ومنتديات الأصدقاء ساحر من أهل الكلمة التي تخترق القلب والعقل معاً ، بل سيختفي من صفحات الرأي ذلك القلم الأنيق الرشيق الذي لا يهادن ولا يساوم فيما يقتنع به .
بعد اليوم لن نستمع الى 'الشخرة' اليافاوية يطلقها أبو هادر كهدير موج يافا التي أحب، وكصخب بيروت التي أخلص لها وغاص في حياتها، فكانت 'شخرته' تحسم جدلاً إذا طال، أو تضفي مرحاً على حوار ثقيل إذا ألقى بظلاله على الجلسة ، بل كانت تلك 'الشخرة' واحدة من أسلحة شفيق المحببة الى أصحابه ، فلا يجدون في جعبتهم ما يتفوق عليها من أسلحة.
كان شفيق ثالث ثلاثة من كبار مبدعي فلسطين ، محمود درويش شاعرها وفيلسوفها ، إدوارد سعيد مفكرها وشارح قضيتها للعالم ، وشفيق الحوت ضميرها ولسانها ، وإذا كان سرطان الدم قد فتك بسعيد باكراً ، وأطاح المرض بقلب درويش المثقل بحب فلسطين وآلامها ، فإن شفيق كان رهين المرضين معاً ، نوبة قلبية كادت أن تقضي عليه في الولايات المتحدة قبل سنوات ، وداء سرطانياً حاصره في بيروت قبل شهرين .
وحين كان يجتمع الثلاثة في بيروت أو عمّان أو باريس أو واشنطن ، كان المجتمعون بهم يأخذون فكرة ، ولو سريعة ، عن عظمة شعب فلسطين وعبقرية مبدعيه ومفكريه وأدبائه ، وهي عظمة لم تنل منها كل محاولات الأعداء ، ولا قسوة الأبناء ، وكم كان لهذه القسوة من وقع مرير على شفيق الحوت الذي ما استساغ يوماً هذه 'السطحية التبسيطية' أو 'العادية' في عقل قيادات فلسطينية وعربية ، كما في أدائها، فيما هي تتحمل مسؤولية قضية من أكثر قضايا الإنسانية إستثنائية وتعقيداً .
شفيق الحوت الذي يحيّر الناس بين عكاويته ، حيث ولد وأقام حتى السادسة عشرة من عمره ، وبين بيروت التي إحتضنته بقية العمر مع عائلته لاجئاً دون أن تتنكر لبيروتيته العريقة ، كان يعتز بفلسطينيته ويصرّ عليها ويقول لو لم أكن فلسطيني المولد والإنتماء لأصبحت بعد النكبة فلسطيني الهوى والهوية .
ففلسطين اليوم هي وطن كل العرب حتى تتحرر ، والفلسطينية جنسيتهم حتى يعود أهلها إليها وتعود إليهم .
لم يكن شفيق يعتز بعلاقة أقامها مع قائد كما إعتز بعلاقته مع الزعيم الراحل جمال عبدالناصر الذي أضفت تجربته على 'يسارية' شفيق الشاب الآتية من مرافئ الصيادين وتجمعات العمال في عكا بعداً قومياً واضحاً .
لذلك بقي شفيق طيلة عمره قومياً ويسارياً في آن معاً ، بل كان نهضوياً عربياً ومقاوماً صلباً منفتحاً على كل تيارات الأمة التي تحمل مشروع المقاومة والنهوض .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق