










من الصعب على الأنسان أن ينفصل عن بيئته . وبيئة الفنان مصدر إبداعاته وقيمه . وقد تميزت البيئة الشامية عبر التاريخ بكل ألوان العطاءات المميزة . في ظل تقلبات الأحداث والتحديات الكبرى التي واجهت مجتمعنا العربي وبالأخص مسيرة الحركة الفنية التي شكلت دائماً رافداً أساسياً من مصادر الوعي الأجتماعي بالحقوق والمفاهيم ، وأساليب التفاعل مع مختلف الأحداث والظروف والمتغيرات . لقد عكس الفنانون المبدعون في تاريخ المسيرة الفنية رؤيتهم للرسالة السامية التي تهذب النفوس ، وتطور المفاهيم والأفكار والمثل السامية ، وتعلي من شأن التثقيف الجماهيري لفهم الواقع المعاش ، وتقديم الصور المعبرة عن لواعج النفس الانسانية وسبر أعماقها . كي تتعلم الأجيال قيمة الفن وأشكال ممارساته وألوانه وفضاءاته المختلفة . ولاشك أن قيمة الفن في ارتقائه الى مصاف الرسالة التربوية في كل شأن اجتماعي ووطني وقومي وانساني تجعل الناس على مختلف مشاربهم وأهوائهم . يشكلون ذاكرتهم من خلال تلك الصور التي تترسخ في وجدانهم عبر تأثرهم بهذا الفنان أو ذاك . ورغم هموم الفن ومشكلاته وطموحات أسرته . فإنه يحسب للجيل الأول من رعاياه . تضحياتهم الكبيرة في تقدم الوعي وفهم مكنونات الرسالة الحضارية . التي تؤثر في فكر المرء وأحاسيسه وذهنيته وعواطفه ووجدانه . وبالتالي تشكل لديه حالة ثقافية متأصلة بالارتباط مع الأرض والمحيط الاجتماعي والوطني . ومختلف القيم النابعة من التراث والأصالة والتاريخ . وعندما نتحدث عن الأسرة الفنية العربية السورية التي أثبتت عراقة رسالتها المبدعة وانجازاتها الراقية ، وتطورها المتنامي لتحتل مساحة متقدمة جداً في مستوى الفن والأبداع العربي . نقف اليوم بألم تعجز الكلمات عن وصفه بفقدان واحد من أعمدة الحركة الفنية في تاريخ سورية الحديث الفنان الكبير والمبدع العظيم الأستاذ ناجي جبر . لقد ترجل فارس شجاع يستحق أن يوصف بالبطل الأنسان . كان استشهادياً في إيمانه بصدق الألتزام بالقيم الأخلاقية والوطنية والقومية والحضارية لأمتنا العربية . ترجل الفارس الذي أحببناه بكل ذرة من كياناتنا الانسانية . أحبه الأطفال والنساء والشباب والرجال والشيوخ . لأنه كان عنواناً لمواقف الرجولة والجرأة ، والفتوة والنخوة والشهامة ، ونبل الأحساس بالمسؤولية. وكم حظيت عقول ونفوس وضمائر في مجتمعنا بالتعلم من هذه المدرسة العريقة في صدقها واخلاصها وبساطتها ، ووفائها وتضحياتها وثقتها بالمستقبل . لقد أبدع الفنان المحبوب بملامحه المميزة ولقبه الشهير . في استخلاص أسمى القيم الأخلاقية التي تعلم الأجيال النخوة والعزة والكرامة . ونصرة الضعيف والمظلوم ، والأخذ بيد اليتيم والمحروم . كأنه يعكس طيبة كل فرد في مجتمعنا المتعالي على الجراح . صاحب الرسالة التي خلدتها بطولات أبناء جيشنا العربي في ساحات الفخار والمواجهة على روابي جولاننا الحبيب . إننا إذ نرثي اليوم صديقاً وأخاً لكل مواطن عربي من المحيط حتى الخليج . نرثي أنفسنا معه . فقد علمنا أن الجنود المجهولين بتضحياتهم الكبيرة . هم نبراس المعرفة والقيم النبيلة التي تتوارثها الأجيال . وماأحوجنا اليوم لكل فنان ومثقف ومبدع من أسرتنا الفنية والأدبية التي نجل ونعشق ونحترم . أن يحمل هموم أمته العربية ليزأر في وجه هذا العدو المتغطرس اللئيم بكل مايحمله من أدوات الفن والفكر والثقافة والايمان ، وارادة العمل ومراكمة الانجازات التاريخية . إن الخسارة الكبيرة برحيل هذه الشخصية الموهوبة والخاصة . لاتشمل شعبنا في سورية ورفاق درب الراحل المخلصيين . بل كل الأمهات والأباء والأبناء في وطننا العربي الكبير . المتعطش لارادة فعل تعلي من قيمة أمجادنا وانتصاراتنا ، وقوة رفضنا للخنوع والتردد والمساومة على المصير العربي الواحد ، وإعادة الأمل في حياتنا بقيام نهضة قومية صاخبة تعيد الحقوق المستباحة بالقوة والتضحيات . وإني أرى منذ الآن أبناء المقاومة العربية في كل مكان تقسم بالعزيمة والتصميم ، والثقة والأرادة المؤمنة . أن تلقن هذا المحتل المجرم دروساً تحمل ملامح هويتك وحركاتك وسكناتك ، وعنفوانك ورجولتك وشجاعتك ، وروحك الأبية ، وشدة بأسك وكبريائك . ياأبا مضر اعذرنا إن ودعناك بالدموع . فقد كنا نتمنى أن تكون قائداً لأي جيش عربي طال شوقه لأمجاد تشرين العزة والكرامة والبطولة . ونحن على ثقة أن المبدع في حركة الفن الأصيل . ينتصر في ساحة الفكر والمواجهة ، والتصدي للغزاة والطامعين . هذا بعض ماتعلمناه في المدرسة الأسدية العظيمة ، ولقد كنت أنت وأسرتك المبدعة من هذا النسيج الوطني المجيد . في ذمة الله أيها الأنسان الوفي العملاق . ستبقى في قلوبنا وعقولنا أبداً . جزءاً من ماضينا الجميل . رغم الألم من واقعنا العربي الحزين . وشجرة تراث أصيل . نرويها بكل مانملك من ايمان بالوطن العظيم . الذي نحلمه موحداً حراً . يعانق الشمس والأفلاك . كما يشع حبك في القلوب على مساحة الوجدان العربي بكل الأيمان . اليوم تبكيك جبال العرب كلها . موئل الكرم والأصالة ، والشموخ والأمجاد ، ويطل على الأرض الحنونة التي ضمتك إلى صدرها بوابة التاريخ . دمشق العصية على الأنكسار . وقد كتبت إسمك في أعماقنا نبضات حب وفرح ، ومشاعر عز وافتخار . لتهنىء روحك الطيبة بسلام . ألم يحضنك قاسيون بالمجد وعطرالأمان . وداعاً يارمز الأخوة . وداعاً أيها الكريم المغوار .
الرحالة العربي
ابن الجبيلي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق