الأربعاء، 1 أبريل 2009

بين الرصاص والجوع يعيش الذين ينتظرون بلا أمل.. من مذكراتي حول العالم .. بقلم الرحالة العربي ابن الجبيلي






أسرعت الخطى باتجاه السيارة الدبلوماسية التي أقلتني الى منزل
مضيفي على أطراف العاصمة الصومالية (مقديشو) بعد سماعي مع وزير الخارجية أصوات الرصاص الكثيف من الجهة الشمالية لمكتبه حيث كانت الأجواء المتوترة في الشوارع المحيطة بمقر الوزارة وقرب قصر رئاسة الجمهورية المسمى (فيلا صوماليا) توحي وكأن هنالك شيئاً خطيراً سيحدث . كانت أنظاري في كل اتجاه تعكس العدوى التي أصابتني كغيري للقلق من أن يتكرر ماحدث في العام الماضي حيث سقط مئات الضحايا بين قتيل وجريح حين تفجرت الاضطرابات وأعمال العنف والمظاهرات في معظم أحياء المدينة البائسة التي عصفت فيها رياح البدائية والتخلف والأتربة والفوضى وسيطر عليها خمول كئيب جمع بين الناس في معظم الأوقات وسط ظاهرة افتراش أعداد ضخمة من المتسولين والعاطلين عن العمل والعجزة من جميع الأجناس والأعمار أرصفة الشوارع والأسواق ، وقد يصاب المرء بحالة من الغثيان لأوضاع البؤس الشديدة لهؤلاء الناس حين يقرأ في عيونهم لغة الانتظار والصمت القاتل والحزن الدفين حتى ليخيل للناظر لأشكالهم أنهم مجرد أشباح سبقها الزمن وحطمتها آلة الانتاج الصناعي العملاقة فبدت ألوان ملابسهم الرثة وفقدان بعض أطرافهم الغضة وكأنها لوحة فنية تكسر النظر وتدمي العين وتكوي الصدور بالآهات لاشيء يجمعها سوى الألم وأبجدية التمرد على الاستهتار واللامبالاة التي تقفها اليوم دول العالم من هذا البلد المقهور من كل جانب وكأن على سكانه أن يرقدوا خارج بوابات تأريخ العلاقات الانسانية التي تربط بالمسؤولية التضامنية المشتركة بين أحلام وآمال وآلام الناس في كل مكان . ويزداد بؤس المدينة العربية الحزينة يوماً بعد يوم وكأنها قد بنيت على أطلال شاهقة العلو وقد استحال الوصول اليها لتخفيف معاناتها وانقاذها من الضياع الحضاري . وكنت أتساءل وأنا انبه سائق السيارة لوجود امرأة نصف عارية في وسط الشارع المقابل لوزارة الخارجية وهي تزحف على وركيها لاصابتها بشلل نصفي بينما كانت تجر قدميها خلفها وتمد يدها للسيارات المارة طلباً للمساعدة . كنت أتساءل لماذا اختارت هذه المرأة المسكينة تلك الطريقة في التعبير عن الحاجة وسط السيارات المندفعة بسرعة تعكس حالة الخوف والقلق السائدة معرضة نفسها لأفدح الأخطار بدل أن ترقد في مأوى يقيها شر الحاجة الى أبسط مقومات الحياة ويخفف عنها عذاباتها وقسوة نظرات المتفرجين عليها من المارة بلا مبالاة وحيث يتوقع لأي عربة أوسيارة صدمها ودهسها فجأة . لست أدري .. ربما اختارت ذلك الأسلوب المفجع احتجاجاً على عدم قبول مآوي العجزة لمثل حالتها ؟.. أولعدم وجود تلك الدور الاجتماعية التي ينتظر الألاف مثلها لافتتاحها حتى لو كانت قرب معسكرات الشرطة والجيش اللذان يحظيان بمساحة قارة لنشاطاتهما الضرورية جداً كما في حال الكثير من الدول . وقد ملئت الغصة حلقي وأنا أحاول فهم مايجري وما قد يجري. انه رغيف الخبز اذاً. ذلك الطبق الذي أشعل الحروب وأثار الفتن ودمر الجيوش وأقام الحصون وحلق ببطون البعض في الفضاء الفسيح . حيث ينعدم الوزن ويمنعهم من الحضور لساحة الأرض وزيارة أكواخ القش والذنك ومصافحة أيدي فقراء العقول . الذين لايجيدون لغة العصر والألعاب البهلوانية في الاقتصاد والسياسة. وهو ذلك الذي عقدت الأحلاف وصيغت آلاف التعابير ، وتكونت المذاهب والفلسفات ، وقامت الثورات والانقلابات لأجله. والذي باسمه دشنت ملايين السجون والمعتقلات ، وقضى بحجمها الرجال والنساء والأطفال ، وعرفت اللغة شكلاً جديداً من البيانات الانتخابية . وهو ذلك الشيء المخيف الذي تبذل في مواجهته أرقاماً فلكية من دورة الزمن بحثاً وتدقيقاً وتشريع قوانين . وكل ذلك كرمى لعيون صناعه ، ومبتكري أحجامه ، وصيانة لأمن مراسلي وكالات توزيعه. ولأن ماتبقى من العدالة التراجيدية تقتضي أن يستمر هذا الرغيف في الوصول الى مرافىء البطون التي لاتشبع وحرصاً على مستقبل البشرية والانتاج والنظام ، وتأكيداً على ضرورة حماية المبدعين من فناني الاحتكارات الدولية أعظم فلاسفة الانسانية وحكمائها . فانه لابد من عقد صفقات سلاح بمئات المليارات من الدولارات المقدسة في كثير من بلدان العالم حتى يكمل قاموس النظام الدولي الجديد حلقاته المتصلة التي أطلت علينا بها آخر بيانات قمة سوبرماركت هلسنكي الديمقراطي بين الجبارين ولكن عفوكم ياأبناء نهاية القرن العشرين لاتحزنوا فقد سقط سهواً من حروفه الذهبية. انتفاضة أطفال فلسطين ، والمجاعة في افريقيا ، والذين ينتظرون بلا أمل ، والأطفال الذين يباعون في أسواق البرازيل وأندنوسيا ولبنان خجلاً ، وأماكن اخرى تقتضي العدالة السماوية ألا نذكرها. ومن سيبالي بطبيعة الحال بالسؤال عن امرأة مشلولة ولدت من خاصرة الزمن وتزحف هناك في شوارع العاصمة الصومالية مقديشو.
- وبعد عشرين عاماً مضت . لاتزال الصورة المأساوية تتوسع كل يوم ، وقد شملت بلداناً عربية أخرى . حيث سقط الملايين قتلاً وجوعاً وقهراً في ظل غياب العدل والحقوق الانسانية ، واستباحة القوى الاستعمارية لوحدة أرضها ومصيرها ، ولازال أبناء غزة يشكلون أهرامات جديدة من الضحايا تحت بصر العالم كله . ولكن هذه المرة ليس بفعل عدو غاصب ومجرم لئيم فقط . بل أيضاً بصمت الأخوة ومشاركتهم في تعميق الجراح والألم والمعاناة . وأم الدنيا لم تعد بممثليها الرسميين ولادة . بل عاقرة حتى يتطور الضمير ، ويغدو مقياس الحضارة والموقف الانساني الرحيم . ومع ذلك نقول لأمتنا العربية المنكوبة في كرامتها وعزتها ، وتخلي الكبار عن رفع الظلم عنها . تصبحون على أمل . بنهضة صلاح الدين ، وقيام الوحدة العربية من كبوة الهوان ، وقيود المجرمين . سايكس - بيكو ، وبلفورالمقبور

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق