

لم يتوقع أحد أن تنتهي زيارة السادات للقدس المحتلة وتوقيع اتفاقيات كامب ديفيد إلى هذا الدرك الأسود من سياسات ومواقف للنظام في مصر . ورغم أنني أعارض العنف إيماناً بمبدأ الحوار الوطني بين مختلف القوى المؤيدة والمعارضة للنظام . إلا أن أعدام الرئيس الراحل أنور السادات كان وبالاً على الأمة . ليس لأنه أفضى إلى عنف شكل إشكالية جدلية . مبررة عند البعض ، ومرفوضة عند الآخر . بالرغم من جريمة اخراج مصر من ساحة الصراع . بل لأنه أفضى إلى زعامة بديلة لرجل لايؤمن بالرجولة ، ولايتحمس للمواجهة . حتى لو تطاول الأعداء على سيادة البلد وأمنه وحقوقه الوطنيه . لقد تحنط إيمانه بالسياسة السلمية لدرجة جعلت مئات الملايين من العرب والشرفاء في العالم يكفرون بالسياسة والسياسيين . المصريين لم يحققوا أي مكاسب وانجازات من هذه الأتفاقية ، والمشاكل الأقتصادية والمعيشية ازدادت ، والأمن الغذائي تدهور . حتى حدا ببعض العرب المخلصين إلى إسعاف الأفران بالقمح . كي لايزيد عدد الضحايا المقهورين الذين هاجروا إلى السماء . دون أن يهتز ضمير مسؤول بواجب الأستقالة . وقد أصبحت مصر في عهده ساحة للتندر والمقارنة مع الجياع في أفريقيا ، والفرق أن الأفريقيين يطلبون المساعدة لمعالجة المأساة . أما في مصر فالمساعدة من أجل النظام كي يقمع الأفواه بتغذية وصفة إعلامية فاجرة ( ماشي الحال ) حتى أن الحال مل من نفسه ولعن حامله وممتطيه . والوجه الآخر للتندر هو الأرقام القياسية التي حققها النظام في تجاوزاته للأعراف والدستور والقوانين ، وأحكام القضاء المصري . ومقتضيات المصالح الوطنية ، والتخبط في الخطط التنموية التي شكلت نوعاً جديداً من المخدرات السياسية للشعب المسكين . إن أرقام العاطلين عن العمل والباحثين عن التحرر من طوابير البؤس والحرمان والقهر الأجتماعي والحقوقي ، وغياب الرعاية الصحية عن الطبقات المعدمة . والموت البطيء لقطاعات واسعة محرومة من تأمين أبسط متطلبات الحياة الأنسانية . قد ارتفع إلى مستوى أهرامات مصر العظيمة بمساحة أفقية يندى لها جبين الشرف والمسؤولية بالخجل والعار . هل يعقل أن أرض الكنانة يقبض على قوتها وحركة الحياة والتطور والأقتصاد فيها . حيتان بعدد أصابع اليد الواحدة . كل همهم أن يتمتعوا بمقدرات الشعب وحرية النهب ، والاستيلاء على مؤسسات القطاع العام قبل تنفيذ مختلف الألتزامات المستحقة على تطبيق اتفاقيات الغات الدولية ، وشروط منظمة التجارة العالمية . مما يصعب معه هامش الفساد بألوانه ومجالاته . لقد شكل نظام الحكم في مصر قيماً جديدة من المفاهيم والممارسات السياسية . ترتبط بمبدأ خدمة الأجنبي مجاناً . بل يدفع النظام ثمن قبول الآخر لخدمته . كما في حال اتفاقية تصدير الغاز إلى الكيان الصهيوني المجرم بقيمة متدنية جداً يتحمل الأقتصاد المصري فيها خسائر كبيرة . بواقع 13.5 مليون دولار يومياً . بسبب الفارق مابين قيمة الصفقة ، وثمنها الحقيقي في الأسواق العالمية ، ولم يعد النظام بقادر على حماية السيادة الوطنية باعلانه أن قرار فتح معبر رفح مع قطاع غزة ليس بيده . بل أصبح يخضع لارادة خارجية . وقد عجز حتى على تقديم حلول موضوعية مقبولة للخلافات الآنية بين فصائل الشعب الفلسطيني . مما حال دون الثقة الدولية به وبمكانته وقدراته . وراح يستجدي القبول به طرفاً لمواجهة ثقافة المقاومة والممانعة تجاه التحديات المصيرية في ساحات المواجهة مع العدو الأسرائيلي . بل حصل على مساعدات لوجستية من هذا العدو . ومما يلفت النظر اليوم بعد ثلاثين عاماً على اتفاقية كامب ديفيد المشؤومة . وفي جردة حساب للمكاسب المعدومة ، والخسائر المنظورة . نجد أن النظام المصري قد فقد السيادة ، وحصل العدو على خير حليف ضد قوى المقاومة والمانعة والتحدي ، وتحول إلى موقع النظام المعروض للآجار مادام دوره ووظيفته الكومبرادورية ( التجارية ) محفوظة ، وأحلام الخلود والتتابع وتوريث البطولات الوهمية ساري الدعم والمؤازرة والتأييد من لوبي واشنطن توأم تل أبيب . فكل الأشياء مبررة ، وكل المخططات المسمومة معتبرة . طالما أن الوطن مزرعة للأقطاع السياسي والمالي . كانت مصر في عهد عبد الناصر قلعة القومية العربية ، وقد أصبحت في عهد مبارك مرتع الخونة والمتآمرين على الوطن الذي نحب ونعشق ونجل . تاريخاً وتضحيات وأمجاد . وفي ذاكرة التاريخ سجل لليابان استسلامها للصقر الأمريكي في نهاية الحرب العالمية الثانية ، واشتراطها بقاء امبراطورها رمز الدولة والحضارة والوطنية . أمر أعتبر خطاً أحمر للأستسلام ، واليوم لايستطيع نظام يدعي الأستقلالية والتحرر . أن يمارس الأرادة الوطنية في تقرير العودة إلى ساحة العمل القومي المشترك ، ووقف عجلة الارتهان والتعاون مع هذا العدو الصهيوني الغادر ، والمتربص بالمصير العربي الواحد . في أسوأ الكوابيس السياسية لايوجد عاقل من المحيط حتى الخليج . كان يعتقد بأن النظام الرسمي في مصر سيقدم الدعم للعدو ، ويشترك في جريمة تجويع وقتل وحصار أهلنا في غزة الجريحة . واليوم أليس من حقنا أن نتساءل إن كان أقطاب هذا النظام يملكون ذرة احساس بالضمير الأنساني المسؤول ، وهم الذين يتفاخرون عبر منابرهم الفاجرة عن الانجازات في هدم واكتشاف الأنفاق في أحضان الأرض الغاضبة من موت الضمير وغياب الشرف والنخوة والكرامة الأخوية . التي حالت دون التواصل بين شعب مصر العظيم وهؤلاء الأخوة الفلسطينيون المكلومين على مذبح الأرهاب والظلم التاريخي . ومن منا اليوم قادر أن يفرض على نفسه أي نوع من الأحترام لنظام فاسد يتلوى كالأفعى في حدائق رواد المصالح الدولية . الحالمين بتغييب التاريخ . وتشويه المستقبل العربي . نظام مارس الأرهاب ضد المقاومة والأيدي المدودة لمساعدتها . نظام إرتقى إلى مستويات الخيانة العظمى لتاريخ مصر ، وحضارة مصر، وتضحيات أبطال وشعب مصر العظيم . وأولاً وليس آخراً للدستور المصري ، وللقوانين الوطنية والقومية والأنسانية . إن ثقافة الأنهزام والأرتهان للعدو المتربص بالأمن القومي العربي . سوف يحيل هذا النظام إلى مزبلة التاريخ . بكل مايملك من قدرات وأدوات ووسائل قذرة . وفي مقدمتهم رؤساء تحرير تلك الصحف التي تتلوث كلمة التحرير بأقلامهم المنحطة ، أنهم ليسوا أكثر من مأجورين فقدوا كرامتهم وقناعاتهم ووطنيتهم ، وإيمانهم بالقيم المهنية والأخلاقية والوجدانية . حتى أن العاهرات يتمتعن بشيء من الكرامة الأنسانية في مخاطبة زبائنهن حرصاً على نجاح المسعى . أما النظام في مصر فهو أسوأ عاهرة تبيع جسد الوطن ، وقيم الأمة . مقابل نشوة إنتصار على فرسان مؤمنون بالشهامة القومية . وقد أختاروا دروب العزة لغزة الأبية . ياتاريخاً سجل لهؤلاء الجلاديين أشباه الأفاعي وخدامهم . أمجاد قمة العهر والذل والعار .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق