رحمك الله ياعماه .. بقلم الرحالة العربي ابن الجبيلي
رحمك الله ياعماه .. أخجلني أملك بصحوة التاريخ . فتذكرت واجبي بعد طول زمان . لهذا بكيت بعينيك زمناً لم تعد فيه الشهامة عنوان الأفعال . سقط الألتزام بقداسة العدل صريع الأوهام ، وصارت قضية القدس وكل فلسطين . في ساحات المصالح والسياسات أخر الهموم في صرخة الأوطان . كأن صلاح الدين تخلى عن إسلامه ، ولم يترك لنا أمل في تعلم لغة المواجهة . بتصميم وارادة ، وتضحية وايمان . متى كانت أمتنا أسيرة الخوف والتردد والأحزان . أعتذر منك اليوم ياعماه . عما ألم بحالنا ، وبكآبه أخبارنا وفرقتنا، ونحن ننتظر أن تعود إلينا الكرامة دون عمل . في أبهى حلة . تشبه هالة الأنبياء ، طهارة روحك أودعتني رسالتها من السماء . تطالبني أن أحفر في ذاكرتي ، وألملم همومي وأنسجتي ، وأقول للضمير الغائب الحاضر . عند القادة في أقطار أمتي . ( حذاري .. وألف حذاري أن تنال منكم فكرة التخلي عن حق العودة لأبناء شعبي وأهلي ، وأبناء عمي وأخوتي ) . فكل المبادرات التي تستهتر بظلمنا ، وبأمجاد آبائنا وأجدادنا ، وبالأصل في حقائق التاريخ مهما تكالبت الجهود لتشويهها . لاتساوي حذاء طفل شهيد . ودع أهله واثقاً من أن دمه سيكون جسر العبور لأحرار الأمة ، وانتفاضتها على القهر والهوان ، والذل والأستسلام . كان عمي الحاج أحمد جبيلي . إنساناً بسيطاً يعشق حرية الكلمة ، وتجده محلقاً بفكره في الأعالي . يحلم بوحدة الأمة العربية والأسلامية . حنوناً كأشعة الشمس . معطاءاً كشجرة الوطن . متجذر في فهم التاريخ . عظيم الأنتماء للتراث . واثق من المستقبل . يأبى إستبدال القهوة العربية بالمشروبات الأجنبية . حريص على نقاء دمه من المورثات الظلامية . خبر صغير عن حزن هنا أو ظلم ينال من أخ أو إنسان من هناك يبكيه ، ويجعله يهيم في ذاكرته . يبحث عمن يعيد إليه نضارتها . يحب التمتع بصحبه ضيوفه . كريماً كخصوبة الأرض . يأكل مما ينتج . دبلوماسي بالفطرة ، لكنه يكره الكذب والغش والخداع ، ومن حسن حظي الانساني أنه كان يحبني بلا حدود. ربما لأني طفل بريء ككل الأطفال ، وربما لأني أحمل ذات الأسم ، وربما والله أعلم . كان يستشعر المستقبل بروحه الملائكية الطيبة . أن هذا الطفل الذي يحضنه اليوم بحبه ورعايته وثقته ونصائحه . سيكون صاحب رسالة إنسانية تشع على العالم بأنبل قيم أمتنا ووطننا وتاريخنا . رسالة تنتقل من جيل إلى جيل ، وتحكي قصة التراث الذي أهملناه . كانت الدبلوماسية في التعامل مع الناس مفتاح النجاح في حياته . يعزف عنها حين تشوه الوقائع . لايمانه بأن الكلمة الصادقة مقياس الشخصية المحترمة ، والعدل والرحمة من أسس
الأيمان بالدين ، والأحترام لانسانية الأنسان ، وكرامة الجار والأخوة . لقد أدركت سر شخصيته المتميزة بعد أربعين عاماً . حين سطعت في ذاكرتي بشاشة وجهه وهو يستقبل ضيوفه دائماً على سرعة عرض يسلب ألباب العاشقين . لأخبار ينقلها إليهم رجل ذي مصداقية عالية في حارته الشعبية في ( حي السكري ) بمدينة حلب الشهباء في سورية . كان يبدو كأنه ممثل شخصي للقائد العربي الكبير الملك فيصل بن عبد العزيز ، والناطق بإسمه وأفكاره ، ومواقفه وأخباره التي تنقلها إذاعة عمي الشعبية من بيت إلى بيت ، ومن ضيف إلى ضيف ، وكي لاتضعف ذاكرته في النقل والشرح والتحليل والتوثيق . لكلمة أو تصريح للقائد العظيم . لجأ إلى تسجيل خطابات الملك الحكيم على أشرطة كبيرة في مسجلة قديمة . تستوعب ساعات طويلة من الأشرطة الأسطوانية . يعيد سماع مقطع معين . مستعملاً كلتا يديه لايقاف إحدى بكرتيها منعاً من الأنفلات ، ويتلذذ باعادة إسماعها لكل الزائرين أو الضيوف ، وقد نحت بكبرياء على جدار شرفة منزله شعار النسر السوري بحجم كبير تحت ظلال علم الوطن . كأنه يعلن وزارته الخاصة دون الحاجة لقرار حكومي أو فلسفة انتماء رسمي للدولة والحكومة والوطن . رغم أن الحظ لم يحالفه ليكون عضواً في الأدارة المحلية لمجلس المدينة لضيق اليد ، والحاجة للصرف على وسائل الدعاية في المناطق الأخرى ، وكيف يتحقق ذلك وهو لايبقي شيئاً إلا والضيوف قد حازوا عليه ، وهل يوجد في الدنيا أكرم من الفقراء . كان عمي يزرع البسمة وروح النكتة على الجميع إلا في ذلك اليوم الموافق 25/3/1975 . حيث اغتيل الملك المحبوب على مذبح غياب الضمير وفجعت الأمة العربية والأسلامية بأنبل رموزها وقادتها . أمطرت الدنيا بعيون عمي حتى فاضت من الحسرة والألم والعذاب ، واستحال الوجه البشوش والقلب الطيب إلى مركب لأحزان الأمة . تلعثمت الكلمات في حنجرته وهو يعانقني بغزارة الدموع . كأن يوم القيامة قد حل ، وحان وقت الرحيل ، ولم يبقى وقت لمراجعة الأعمال والتوبه إلى الله تعالى . وبكيت معه بحرقة ولوعة ، لا لكوني أعرف الكثير عن مواقف ورجولة الملك الراحل فقط . بل لأني أحب عمي ، ومايحزنه يحزنني . ويؤلمه يؤلمني . فكيف حال الأمة اليوم لاتغضب لما يجري من مظالم ونحر للحقوق الطبيعية ، وغياب للعدل والانصاف ، وإغاثة الملهوف ونصرة الضعيف ، ومساندة الأخوة المنكوبين في فلسطين ، وهل يستقيم الشرف والمروءة ، والأصالة والوجدان العربي بمنح عتاة المجرمين والسفاحين الصهاينة . الذين سرقوا الأرض والعرض والمقدسات . مابقي من حقوق تمس جوهر المصير ، وهل يملك قائداً مهما كان وضعه وصفته وتاريخه . أن يقرر المساس بحقوق تاريخية متأصلة بوجود هذا الشعب العربي الفلسطيني المظلوم ، والذي قدم ومعه شرفاء الأمة أعظم التضحيات . دفاعاً عن مستقبلها ورسالتها وقيمها النبيلة . هل يستحق هذا الشعب أن تمارس عليه الأوهام والمقامرات السياسية على مصيره . إننا اليوم بحاجة لمراجعة التاريخ ، وليس هناك من مبادرات يمكن أن تعلمنا عزة الأنتماء وسطوة الارادة ، وعنفوان الكرامة والضمير . غير العودة إلى الايمان بالمدرسة العربية والأسلامية التي توحد ولاتفرق ، وتعلي من شأن وثقافة وأمجاد الأمة ، ورسالتها الخالدة على مدى الأزمان ، وماأحوجنا أن نتعلم من المواقف والسيرة العظيمة لرجل عظيم . لم يهادن العدو وأعوانه يوماً ، ولم يستهتر بالمبادىء والمثل العليا للمجتمع والدين ، ولم يعترف بأي شكل من الأشكال بشرعية هذا الكيان المجرم . رغم كل الضغوط الخطيرة على الأمن الأقليمي للمنطقة بعد ملحمة حرب تشرين أكتوبر عام 1973 ، وكانت صراحته وحكمته وشجاعته نبراساً للأجيال . تنهل منها الثقة بالنفس والأمل بالتغيير نحو الأفضل ، فهل يتعظ الحكام اليوم ، ويعلنون فضيلة التخلي عن الأخطاء والمغامرات التي كلفت الأمة أثماناً غالية من دماء أبنائها وأمن واستقرار مجتمعاتها ، ومنعتها ووجودها ومستقبلها ، وهل يبادر القادة العرب إلى استراتيجية فاعلة تعجل في إزلة هذا الكيان الصهيوني الغاصب للقانون والشرعية والحقوق التاريخية لشعبنا الفلسطيني . ليحفروا في ذاكرة التاريخ والأجيال . آيات من الأمجاد تتصل مع تراث الآباء والأولين ، وتعيد لهذه الأمة مكانتها تحت شمس الهداية للعالم أجمع . سؤال لن يصعب على أي مواطن عربي أن يجيب عليه حين يقرأ مابين السطور سيرة هذا القائد العظيم ، وواجب الوفاء لمواقفه العملاقة التي دفع ثمنها حياته راضياً مرضياً . رافضاً الصمت على حالة الأمة ، والعبث بمقدساتها ومكانتها ، وتفرق شملها وكلمتها ، وخمول نهضتها وقوة بأسها . أين قادة اليوم من العمل العربي المشترك ، وهل يستلهمون العبر من الملك الراحل الذي أحبه عمي ، وأورثني حبه والوفاء لهمته ورجولته ، وهو الذي لم يتحمل مرارة فقدانه ، حيث لحق به إلى جوار ربه بعد مدة قصيرة . رحمك الله يافيصل العروبة والأيمان ، وياأشجع الرجال والأبطال
ملاحظة : لمن لايعرف عن تاريخ الملك الراحل من جيل الشباب الصاعد. يكفي أن نشير بأنه قد قطع النفط العربي عن الغرب رداً على دعمه للكيان الصهيوني أثناء حرب تشرين التحريرية . التي خاضها الجيش العربي في سورية ومصر وبمساندة كل الجيوش العربية في السادس من تشرين الأول ( أكتوبر) عام 1973 ، وأنه القائل رداً على تهديدات وزير الخارجية الأمريكية أنذاك هنري كسينجر باحتلال منابع النفط ( أننا مستعدون للعودة إلى ركوب الجمال ، والعيش في الصحراء على الحليب والتمر ، وفي الخيام . على أن نقدم تنازلاً عن حقوقنا ومقدساتنا ) . وهو الذي عبر عن أغلى أمنياته بالصلاة في القدس الشريف ، وبزوال الكيان الأسرائيلي . وهذا جزء من تاريخه العظيم برسم متابعة وإلتزام الأجيال القادمة بنهج هؤلاء الرجال العظام وفي مقدمتهم الراحل الكبير الملك فيصل بن عبد العزيز الذي أغتيل لأنه ضمير العرب والمسلمين ، والأوفياء يلتزمون بنهج من كان نبراساً للماضي والمستقبل على مدى الأزمان .
ملاحظة : لمن لايعرف عن تاريخ الملك الراحل من جيل الشباب الصاعد. يكفي أن نشير بأنه قد قطع النفط العربي عن الغرب رداً على دعمه للكيان الصهيوني أثناء حرب تشرين التحريرية . التي خاضها الجيش العربي في سورية ومصر وبمساندة كل الجيوش العربية في السادس من تشرين الأول ( أكتوبر) عام 1973 ، وأنه القائل رداً على تهديدات وزير الخارجية الأمريكية أنذاك هنري كسينجر باحتلال منابع النفط ( أننا مستعدون للعودة إلى ركوب الجمال ، والعيش في الصحراء على الحليب والتمر ، وفي الخيام . على أن نقدم تنازلاً عن حقوقنا ومقدساتنا ) . وهو الذي عبر عن أغلى أمنياته بالصلاة في القدس الشريف ، وبزوال الكيان الأسرائيلي . وهذا جزء من تاريخه العظيم برسم متابعة وإلتزام الأجيال القادمة بنهج هؤلاء الرجال العظام وفي مقدمتهم الراحل الكبير الملك فيصل بن عبد العزيز الذي أغتيل لأنه ضمير العرب والمسلمين ، والأوفياء يلتزمون بنهج من كان نبراساً للماضي والمستقبل على مدى الأزمان .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق