تقرير غزة امتحان للعالم الغربي
تلتزم معظم الدول الغربية حالة من الصمت المريب تجاه تقرير الامم المتحدة الذي صدر يوم امس، وأكد ارتكاب القوات الاسرائيلية جرائم حرب اثناء العدوان على قطاع غزة مطلع العام الحالي.التقرير اعدته لجنة محايدة من ثلاثة شخصيات حقوقية عالمية تتمتع بقدر كبير من النزاهة والشفافية، ويرأسها قاض جنوب افريقي يهودي الديانة، ومعروف بصلاته الجيدة مع اسرائيل، فلماذا هذا الصمت من قبل حكومات اوروبية تدعي الريادة في دعم القيم الديمقراطية وحقوق الانسان؟وزارة الخارجية الفرنسية قالت يوم أمس انها تريد دراسة هذا التقرير بشكل جيد قبل اتخاذ موقف بشأنه، وهذا من حقها، ولكنها لم تفعل ذلك تجاه تقارير اممية مماثلة، خاصة تلك الصادرة عن جرائم مماثلة جرى ارتكابها في دارفور مثلاً.
الحكومات الاوروبية مطالبة بأن تثبت موضوعيتها تجاه هذه المسألة، وان تنفي عن نفسها تهمة الازدواجية في المعايير في نظرتها لقضايا حقوق الانسان، خاصة اذا كانت الانتهاكات ترتكب من قبل دول او حكومات لا تدور في الفلك الامريكي والاوروبي مثل اسرائيل.التقرير لا يحتاج الى دراسة متعمقة، والموقف تجاهه لا يجب ان يتأخر كثيراً تحت ذرائع ممجوجة وغير مبررة، مثل ضرورة التمحيص في كل ما ورد فيه من وقائع واتهامات. فالدول الغربية تعرف جيداً ان اسرائيل ارتكبت عدوانا ضد اناس ابرياء محاصرين في قطاع غزة، واستخدمت القوة بشكل مفرط في حرب غير متكافئة، والقت قنابل الفوسفور المحرمة دولياً على مناطق آهلة بالسكان.
نتوقع من فرنسا بالذات مواقف اكثر قوة ليس على صعيد تبني كل ما جاء في التقرير، وانما العمل من اجل ترجمته عملياً على شكل اجراءات لمعاقبة جميع المتورطين في جرائم الحرب هذه من جنرالات وسياسيين ومسؤولين.
فهذا التقرير يجب ان يحال الى محكمة العدل الدولية والى محكمة جرائم الحرب، والى مجلس الأمن الدولي، وكل الهيئات المتخصصة تماماً، مثلما احيلت تقارير مماثلة حول جرائم الحرب في البوسنة الى هذه المحاكم والهيئات، فاسرائيل يجب ان تعامل مثل جميع الدول الأخرى المتورطة في جرائم ضد الانسانية، وان تطبق عليها القوانين التي طبقت على الآخرين دون زيادة او نقصان.
نريد ان نرى ايهود اولمرت وتسيبي ليفني وايهود باراك المسؤولين عن حرب غزة وجميع جنرالاتهم الذين خططوا ونفذوا لهذه الحرب خلف القضبان في محاكم مجرمي الحرب في لاهاي، تماماً مثل زعماء حرب البوسنة، ابتداء من سلوبودان ميلوسفيتش وانتهاء برادوفان كراديتش. ولا نبالغ اذا قلنا ان جرائم حرب المسؤولين الاسرائيليين اكثر دموية من جرائم نظرائهم في البوسنة. حيث قتلوا اكثر من 1400 انسان، معظمهم من الاطفال والنساء في ايام معدودة، ودمروا آلاف المنازل فوق رؤوس اصحابها، وشردوا أكثر من ستين الف شخص، ما زالوا يعيشون في العراء بسبب الحصار المفروض على قطاع غزة حتى هذه اللحظة.
هذا التقرير الاممي المحايد يضع العالم الغربي بأسره امام اختبار حقيقي يتعلق بمصداقيته وحضاريته، ومدى احترامه للتشريعات والمؤسسات الدولية المتعلقة بحقوق الانسان التي أشرف بنفسه على اقامتها والتشريع لها، ونأمل ان لا يسقط في هذا الاختبار، مثلما سقط في اختبارات مماثلة، بسبب اصراره على وضع اسرائيل فوق القوانين والشرائع الدولية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق