

كنت قد آليت على نفسي ألا أشترك في الإدلاء بأي رأي أو موقف من واقع الخلافات والسلبيات التي عصف بحياة أهلنا في فلسطين الذين يستحقون قيادات على مستوى الصراع الوجودي مع الكيان العنصري الصهيوني النازي المجرم ، ولكن ماحدث في الأمس . فرض علي أن أخرج عن صمتي المؤقت من موقع الوفاء لرجل وقائد وأب عظيم كالشهيد البطل ياسر عرفات . لقد كسرت الجرة على رؤوسنا جميعاً ونشرت إشعاعات نووية ليس على مستوى جغرافيا العقول والضمائر الفلسطينية والعربية فحسب . بل على مساحة الشرفاء في العالم أجمع . إن توجيه إتهامات مباشرة لبعض الشخصيات الفلسطينية بالتواطىء والمشاركة مع مجرمين صهاينة في إغتيال هذا القائد الرمز وشخصيات أخرى . يوجب علينا أن نضع أيدينا على قلوبنا من هول اللحظة البركان ، ورغم إيماننا بالقاعدة القانونية التي لم يعد معترف بها في كثير من الدول . حيث المجرم بريء حتى تثبت إدانته ، لكنه في علم السياسة تقرأ الأشياء ما بين سطور المصالح . إن ما آل إليه وضع الخلافات التناحرية بين القيادات والفصائل الفلسطينية وداخل أبرز منظماتها ( فتح ). يعكس الصورة السلبية لتعثر مشروع النضال الفلسطيني ، ويوجب على بعض القيادات التي تتحمل مسؤولية تاريخية تجاه الشعب الفلسطيني وقضيته المقدسة أن تعود إلى صفوف الجماهير ، لتتعلم منها أصول العزة والكرامة ، والوفاء لكل القيم الوطنية التي لاتستقيم معها مهادنة العدو والمواقف الشاذة عن أصالتنا وأخلاقنا القومية ، والعبث بالأمن النضالي . بل قيام البعض بتقديم خدمات لمخابرات العدو عن بعض الدول العربية والإسلامية ، والتنكرلتضحيات الشهداء التي شكلت قداسة الحق والكبرياء الفلسطيني والعربي ، والتمسك بوهم سيادة سلطة عاجزة عن الدفاع عن شعبها وأمنه ونصرة قضاياه المختلفة . كل هذا لايقدم فرصة لبناء مستقبل عزيز كريم لهذا الشعب عبر العلاقة والتنسيق الأمني وغيره مع اللصوص الذين سرقوا الأرض والعرض والتاريخ والأمان ، إن أي عاقل سواء كان مواطناً أو سياسياً أوقائداً مسؤولاً لايمكنه أن يدعي الوطنية في الوقت الذي يكافىء به المحتل الغاصب والقاتل على فعلته . إن حق النضال حتى تحرير الأرض كاملة من البحر حتى النهر . حق مقدس سيبقى في وجداننا وثقافتنا وإيماننا ، وفي ذاكرة الأجيال تلو الأجيال مهما حال الخنوع وضعف الإيمان عند بعض القيادات الفلسطينية والعربية الذين يحاولون خطف هذا الحق الأبدي ، وتركيز الجهد على عبثية تسويات سياسية جعلت العدو أكثر وحشية وغروراً لأنه لم يجد القوة التي تفرض وتحمي السلام المنشود ، والذي لن يتحقق مادام هناك شبر من الأرض تحت الأحتلال . هؤلاء العبثيون ليسوا سوى أفراد لامكان لهم في ضمير وتاريخ الأمة ، وسيبقى كل شهيد آمن بهذا الحق ونصرته نبراساً لنا ولأطفالنا الذين نريدهم أن يدخلوا بوابات الحياة بعزة وكبرياء وإنصاف وكرامة ، وكل من خالف هذا التوجه له حق الأختيار بأن يكون تحت مزابل التاريخ كما حال المجرمين الذين تجرؤا على إغتيال القائد والإنسان الذي أحببناه بكل ذرة من كياننا ، وإتفقنا معه وإختلفنا ، وكان له ما له ، وعليه ماعليه ، وكان لابد من الأتفاق والإختلاف فهذه سمة الحياة الفكرية والإنسانية . نختلف كي نتنافس على خدمة الشعب وبناء الوطن . لا على الحقد وضيق الصدر والهدم والدمار . حتى يأذن الزمن بصحة الموقف من عدمه . لكننا لانخون الأمانة ونتنكر لتضحيات الأجيال التي آمنت بالله والواجب الوطني والقومي على مساحات الوعي ، وتعزيز الإرادة ، وحشد الطاقات المختلفة حتى إحداث تغيير نوعي يعيد الأرض السليبة ، وينهي هذا الظلم التاريخي لشعب علم العالم طريق الأصرار على تحقيق النصر على النازية الجديدة . إن فتح مقبلة على عقد مؤتمر سيؤثر إيجاباً أو سلباً على مستقبل الواقع الفلسطيني ، وأي إنحراف عن تاريخ ونضالات وتراث أبنائها الأوائل سيعتبر إغتيالاً متجدداً لزعيم النضال الثوري العربي في القرن العشرين ، وقد تكون له تداعيات خطيرة على العلاقات الفلسطينية العربية ، وهي في حالة تشكو مسبقاً من الشوائب . وعلى الحكمة أن تنتصر للرجل الذي أعطى بلا حدود ، وكان جزءاً من تاريخنا العربي بكل أماله وآلامه وأمجاده طوال أربعين عاماً ، وكان الأقرب إلى نبض الشعب ، وإلى عائلات الشهداء والأسرى الذين يشكل الوفاء لهم ولتضحياتهم بوابة الحرص على الشموخ والوطنية ، واليوم إلتحق بهم مغدوراً لأنه لم يخضع لرياح الترهيب ولغة التنازلات ، ومن واجبنا أن نكون أوفياء له . لا بدفن وتعطيل الجهود لمعرفة حقيقة إغتياله . بل بالأصرار على كشف الحقيقة كاملة ، وتبرئة أنفسنا جميعاً من موقف الصمت المخزي تجاه هذا الرجل العملاق . الأبي الرافض لكل ألوان المذلة والهوان . إن المطلوب ألا تعمق الشخصيات الفلسطينية المختلفة من الجراح وتستكين للأصوات الطفيلية الموتورة الناشطة هذه الأيام ، وعزل الأخ المحترم فاروق القدومي من مسؤولياته في فتح أو غيرها . لن يحل هذا الوضع المأساوي والخلافات حول المناهج . بل ربما يزيدها حرارة وقسوة وتناحرات وعنف ، المطلوب أن يسعى كل الفرقاء إلى وحدة موقف من الشهيد الراحل بالمطالبة والأصرار على تشكيل لجنة عربية محايدة ترتبط مع إنشاء محكمة عدل عربية خاصة . وإن لم يسمح النظام الرسمي العربي بها وهو الملوث ببعض أشكال التبعية والخيانة ، فلتكن لجنة شعبية عربية من أعلى المستويات القضائية في النزاهة والإنصاف ، ولاأعتقد بالتأكيد أن الواقع الدولي يساعد بحق على تشكيل لجنة دولية كمثيلاتها بهذا الشأن . وإلا لكنا أول المطالبين بذلك ، ومن نافل القول أنه لاخير في أمة يغتال شهداؤها على مذبح الظلم والإرهاب الصهيوني وتبقى أسيرة العجز والصمت . رحمك الله يا أبا عمار ياأشجع الرجال .. الرجال . رحمك الله أيها الفارس العملاق ، ورحم كل الشهداء الذين سبقوك ولحقوا بك ، والمنتظرون من شهدائنا الأحياء لينضموا إليك عند الرفيق الأعلى ، وكأني أرى أرواحهم الطاهرة تخاطبك اليوم في السماء : عذراً يا أطيب القادة ، وأعظم الأوفياء . لم تلد فلسطين مثلك حتى اليوم ، وكلنا مساهمون بصمتنا وترددنا وخضوعنا لمجاهيل إغتيالك .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق