الأربعاء، 8 يوليو 2009

آراء ومواقف للحوار . رسالة من كاتب عربي إلى الرئيس أوباما : نريد المبادئ الامريكية . لا المصالح الامريكية


نريد حكمة ومبادئ الرئيس (جيفرسن) وقيم وفكر الفيلسوف (وليم جيمس) لا مصالح الشركات الإمبريالية وطغاة الحزب الجمهوري ، لا نريد جهالة وحماقة الرئيس (بوش) هذا الرئيس الذي لم يقرأ كتابا في حياته ، نريد في العالم الإسلامي مبادئ الحزب الديمقراطي وثقافة (باراك أوباما) ، من أجل كل ذلك قاوم المسلمون في العراق وفلسطين ، وصمدوا في لبنان وإيران وإفغانستان ، وبفضل هذه المقاومة والصمود في وجه طغاة الحزب الجمهوري ، جاءت هزيمة (جون ماكين)، المقاومة العراقية كان لها تأثير مباشر في فوزكم بالرئاسة، إن الناخب الامريكي يريد بناء حضارة القيم والمبادئ الامريكية، لا حضارة الشركات الإمبريالية.
إن تقديم المصالح الامريكية عن المبادئ الامريكية يؤدي إلى ضياع الاثنين معا، بينما تقديم المبادئ عن المصالح يؤدي إلى تحقيق الاثنين معا، هذا هو ملخص ما يريده العالم الإسلامي من امريكا، بل يمكن القول بأن هذا ما تريده كل شعوب الأرض من امريكا بوصفها زعيمة العالم الحر، وهذا ما تريده الحضارة الراهنة من امريكا اليوم.
لقد حققت حضارة اليوم من التقدم المادي والتقني ما لم تستطع تحقيقه حضارة سابقة لها، منذ وجود الإنسان على سطح الأرض، حتى أن الكثير من الناس يذهب إلى ما بعد (فوكو ياما) الذي تنبأ بنهاية التاريخ، بل هنالك من يعلن صراحة، بأن العالم لم يعد في حاجة لعلم اقتصاد آخر، ولا علم اجتماع جديد، ولا علم سياسة بديل، وليس في الإمكان أبدع مما هو كائن بالفعل في الحضارة الغربية اليوم، فقد استطاع الإنسان تحقيق تقدم علمي مادي تقني كبير، وضع حدا لكثير من الأمراض الموسمية التي كانت تفتك بالملايين في البلاد الواحدة . وتم السيطرة عليها بالتطعيم والأمصال المضادة، وتوفر الغذاء بعد تدخّل الآلة في عمليات الحرث والحصاد مع تحسين البذور ومقاومة الآفات الزراعية .
كل هذه الإنجازات المادية التقنية التي نستمتع بها اليوم ، لم تكن هي نهاية المطاف لأحلام فلاسفة عصر التنوير، ولا علماء عصر النهضة ، ولا أحرار الثورة الفرنسية ، وكل المهمومين بالبحث عن حياة أفضل للإنسان من إفلاطون في جمهوريته إلى رواد جيل التأسيس للولايات المتحدة الامريكية، أمثال الفيلسوف (وليم جيمس) الذي مات عام 1952 وهو يأسف على تنامي النزعة المصالحية في العقلية الامريكية، ولهذا أسس جمعية لمحاربة الإمبريالية ، ووضع حداً للأطماع التوسعية للولايات المتحدة الامريكية الصاعدة آنذاك على قيم ومبادئ إنسانية خالدة ، التي اعترف بها العالم لامريكا ، وقدم لها تمثال الحرية هدية لها، واعترافاً بفضل المبادئ التي تقوم عليها.
إن رسالة الحزب الديمقراطي بقيادتكم يا سيادة الرئيس ، هي المحافظة على القيم والمبادئ الامريكية التي صفق لها العالم بالأمس ، وصوت لها الشعب الامريكي اليوم باختيارك لقيادة الولايات المتحدة ، هذه المبادئ تبدأ من حقوق الإنسان كأفراد، إلى حق تقرير المصير كشعوب ، إلى حماية البيئة ، وحماية الثقافات ، واحترام الديانات ، هذا الوجه الحضاري للأمة الامريكية كما يعرفه من قرأ تاريخ تأسيس الولايات المتحدة الامريكية .
يجب الحد من حماسة الحزب الجمهوري ، الذي يسعى إلى تقديم المصالح للولايات المتحدة على القيم والمبادئ الامريكية، كما فعل جورج بوش ونائبه وديك تشيني ، وكانت النتيجة فقدان المصالح وضياع المبادئ ، ولم تحصد امريكا غير الكراهية من شعوب الأرض ، لماذا لا يسأل الشعب الامريكي هذا السؤال : لماذا يستقبل الرئيس الامريكي في معظم دول العالم بالمظاهرات وتقابل زيارته بالرفض حتى من شعوب الدول الصديقة؟ وهل هذه هي صورة امريكا خلال النصف الأول من القرن الماضي؟
لقد سحقت القيم والمبادئ الامريكية تحت تروس الشركات الإمبريالية المتنافسة دوماً ، وإلى ما لا نهاية ، يجب وضع حد لجنون رأس المال ، وطموح الجمهوريين قبل فوات الأوان ، الحزب الشيوعي في الإتحاد السوفييتي قادم من جديد، إنه يجري إصلاحات هامة تتعلق باحترام الأديان ، والملكية الخاصة ، وتداول السلطة ، وربما تخفيض ساعات العمل وتحرير الإنسان من سرعة الآلة وسباق حضارة الشركات الإمبريالية ، حضارة الشركات تحل محل حضارة القيم والمبادئ ، الإنسان والبيئة هما دائما الضحية . سباق الشركات ، عنوان كبير يحمل بداخله سباقات أخرى فرعية ، من سباق التسلح ، إلى سباق البورصة الدولية، وسباق الدعاية والتسويق ، وسباق الألعاب الرياضية بالمنشطات ، حياة أصبحت بكل تفاصيلها سباق في سباق ، وما الحياة إلاّ تحطيم أرقام قياسية في كل المجالات ، حروب باردة وحروب ساخنة بين الشركات والمعسكرات . ودائماً هنالك نجد خاسراً ورابحاً في كل ثانية على مدار الساعة ، والحجة هي دائما زيادة الإنتاج من اجل حياة أكثر رفاهية ، غير أن هذه الحجة تسقط أمام الدعوة إلى زيادة الاستهلاك ، حتى ولو على حساب الصحة العامة ، لقد رفضت امريكا التوقيع على برنامج منظمة الصحة العالمية لمحاربة البدانة ، وتصنيفها على أنها مرض من أمراض العصر، وهذا يتناقض مع غايات الشركات التي تسعى إلى خلق إنسان منتج إلى أقصى حد ممكن ومستهلك إلى أقصى حد ممكن ، ولو على حساب صحته وبيئته .
وإلى أين تسير بنا حضارة الشركات والتجار السماسرة؟ من يقود العالم اليوم ، مدارس فكرية أم شركات تجارية؟ . المقارنة بين بداية القرن ونهايته تعطي مؤشر حقيقي وترسم خط الانحراف؟ أين يقع هذا الانحراف ومدى خطورته يتضح كلما ابتعدنا عن نقطة التقاطع بين المحور السيني والصادي تزداد المسافة بين الفكر والواقع . ونرصد هذا الانحراف في قدرة الشركات على توجيه الرأي العام إلى اختيار شخصيات سياسية هزيلة لا تقارن برجال السياسة الأوائل من جيل الأباء المؤسسين للديمقراطية. في عام 1618 كان رئيس الوزراء البريطاني هو الفيلسوف الفذ والخطيب المفوه (فرنسيس بيكون) رائد عصر المنهج التجريبي مؤسس الفلسفة الوضعية التي هي وراء كل ما حققه الإنسان من تقدم في الحضارة الراهنة عموماً ، وفي العلوم التطبيقية خصوصاً.
إن الحالة التي يعيشها مستوى رجال البيت الأبيض اليوم هي ما كان يخشاها الآباء الأوائل للديمقراطية الامريكية . حيث تنبأ أحد كبار أقطاب الفلسفة الامريكية الفيلسوف وليم جيمس منذ عام 1901 بأن الخوف من أن تتحول الديمقراطية في امريكا إلى بناء إمبراطورية إمبريالية غاشمة هدفها بناء الأساطيل وتهديد العالم . ففي رسالة بعث بها وليم جيمس إلى (رابطة مناهضة الإمبريالية) يعلن فيها أسفه حيث يقول: (إن التحريرية الامريكية التي تقوم على حقوق الإنسان وقدسية الحرية الفردية قد ماتت . ووجه الدعوة إلى رابطة مناهضة الإمبريالية بصفته أحد زعمائها ينصحها بحل نفسها ، وقال: (لقد كنا نقاتل في الواقع للمحافظة على طريقة قومية في الحياة تقوم على قيم وتقاليد لا تتفق مع الإمبريالية ، ولكننا خسرنا المعركة ، فاشتهاء تكوين إمبراطورية سيكتسح الآن كل شيء أمامه ، وسنبني جيوشاً وأساطيل ضخمة، وسنرسل بضائعنا ورؤوس أموالنا إلى الخارج ، وسندخل حلبة صراع القوة مع الأمم الأخرى ، وسنصير مثلهم في عدم المبالاة بالحقوق الأساسية للشعوب الأخرى التي تحت حكمنا . وذهب إلى أنه لم تعد هناك جدوى من محاولة إيقاف هذا التيار . فعهد الحرية والعزلة القديم الذي هيأ الجو الملائم لتقدم الديمقراطية من القرن التاسع عشر قد انتهى).
هل يشعر المواطن الامريكي بالخجل من الإفراط في استخدام (الفيتو) ضد كل إرادة الشعوب في الأمم المتحدة ، لصالح دولة واحدة تقوم على العنصرية والاحتلال تُسمى إسرائيل .
إن فضائح سجن (أبوغريب) وتجاهل إدارة البيت الأبيض في عهد بوش مقتل الناشطة في حقوق الإنسان (راشيل كوري) الفتاة الامريكية التي سحقها بلدوزر إسرائيلي وهي تحاول الدفاع عن القيم والمبادئ الامريكية وتمنع هدم منازل الشعب الفلسطيني ، وكذلك انتحار العالم (ديفيد كيلي) خبير الذرة البريطاني نتيجة تدني القيم الأخلاقية والرغبة العارمة للحكومة البريطانية لغزو العراق ، كل هذه التفاصيل كانت واضحة في رسالة وليم جيمس منذ العام الأول من القرن المنصرم .
هذا الطريق المظلم الذي توقعه الفيلسوف وليم جيمس لمستقبل امريكا وأنها سوف تتحول إلى إمبراطورية للشر اعترف به من بعده كثير من الآباء الأوائل للفلسفة المعاصرة أمثال الفيلسوف البريطاني (أرنست باركر) والفيلسوف الامريكي (موريس كوهن 1864 1929) ومن بعدهم رجل السياسة المعروف (فرانكلين رووزفلت) ، وكل هؤلاء شاركوا وليم جيمس سوء ظنه بالديمقراطية الامريكية ، وأن الحرية أصبحت حالة ميئوس منها في ظل الديمقراطية النيابية ؛ الولايات المتحدة كما يريدها قساة الحزب الجمهوري لا تنتمي إلى الفكر والمبادئ الإنسانية ، بل تنتمي إلى فكر الشركات الإمبريالية.
وأخيرا لقد رحبنا بك في القاهرة، ونأمل أن يكون خطابك للعالم الإسلامي، قادرا على ردم الهوة ، وتضميد الجراح في فلسطين والصومال والعراق وإفغانستان وإيران وباكستان دفعة واحدة .


يوسف الغزال - كاتب من ليبيا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق