الثلاثاء، 21 يوليو 2009

كتب محمد شعبان وهو شاهد عيان عما حصل في إيران خلال فترة الأنتخابات الرئاسية التي أثارت جدلاً ، ومضاعفات وتدخلات من أطراف خارجية متخصصة في التشويش .


تسابقت أقلام بعض الكتاب العرب على استغلال الازمة التي شهدتها إيران بعد الإنتخابات الرئاسية لتمرير أفكارهم السامة عن علم ، وعن غير علم ، تمثل وجهة النظر الصهيونية التي لا تنفك عن كيدها للجمهورية الإسلامية نظراً لما تمثله الأخيرة من خطر على وجودها. والغريب أن بعض قادة الكيان الإسرائيلي اكتفوا ببعض التعليقات البسيطة التي تنم عن تحفظ على ما يجري في إيران، بينما تكالبت البلاد الغربية، وبعض الأقلام العربية على تناول ما جرى في إيران على أنه تهديد لحرية الرأي والإنسان، وكأن الإسرائيليين وجدوا من يقوم مقامهم ويؤدي ما قد يعجزون عن أدائه في هذه الفرصة الذهبية التي لن تتكرر.
ولا أعلم إن كان التشكيك بإنتخابات بلد دون دليل دامغ، يعتبر حرية رأي ومصداقية صحافية، وأن خوف هؤلاء على سلامة وصحة من يدعي تزوير الإنتخابات من أنصار المرشح الخاسر في الإنتخابات مير حسين موسوي يمثل الخوف على مصلحة الشعب الإيراني، والمضحك أن دولاً عربية بدأت تقرع طبول الإنذار بموت الديمقراطية في إيران، ونسوا أنهم يغطون في سبات الذل والاستبداد، ولو حدث في بلدانهم ما حدث في إيران، لما توانوا عن سفك دم كل من تسول له نفسه الوقوف بوجه إنتخاباتهم التي نعرف نتيجتها قبل التصويت. ثم ماذا عن الملوك الذين يتوارثون السلطة أباً عن جد، ويسلمون أولادهم أهم مناصب الدولة بغض النظر عن وعيهم وأهليتهم. هؤلاء يسكنون بيوتاً من زجاج.
ولأنني أقيم في إيران، فأنا أرى الواقع بأم عيني، وكما قيل: بين الحق والباطل أربع أصابع، فالحق في أن تقول رأيت لا أن تقول سمعت. لقد رأيت كيف عبر الجمهور الإيراني عن ديمقراطيته الخاصة في مرحلة ما قبل الإنتخابات بالتظاهر وترويج الحملات الإنتخابية التي حسب مشاهدتي كانت قمة في الوطنية، وكانت الشوارع تعج بالناس من أنصار فلان وفلان، وفي ساحة واحدة، ورغم أن الهتافات كانت متعارضة، إلا أنه لم تسجل اي أعمال شغب تذكر، وقبل يوم من الإنتخابات، منعت الحكومة الحملات الإنتخابية حتى تتم الإنتخابات بهدوء ودون انتهاكات، وفي يوم الإنتخابات، كان المشهد الذي تفتقر إليه بلدان أولئك المتقولين.
وبعد ذلك حدث حسب اطلاعي واستكشافي للشارع الإيراني أن حاز أحمدي نجاد على دعم أكثرية معظم المدن الإيرانية، ومن يعرف أحمدي نجاد، لا يستغرب أن يكون قد حصد كل هذه الأصوات، كونه محبب من قبل الطبقة الفقيرة في البلاد المتركزة في جنوب طهران وفي باقي المدن والأرياف، في حين يحظى موسوي بدعم الطبقات الأكثر ثراء إضافة إلى فئات أخرى في المجتمع ونسبة كبيرة من الجاليات الإيرانية المقيمة في الخارج. ولأن بعض الإعلام العربي الذي يتمتع 'بالحرفية' المزعومة، يرى الأمور من الجانب الذي يستهويه، تناول التجمعات الشعبية التي لم تقبل أن يهزم مرشحها موسوي في الإنتخابات على أنها 'أغلبية الشارع الإيراني' بالرغم من أنها حتى لاتمثل أغلبية طهران. البعض منها تحدث عن المظاهرة المؤيدة لموسوي والتي بلغ المشاركون فيها أكثر من مليون شخص في طهران، وكأنهم لا يعرفون أن هذا الرقم لا يشكل نسبة تذكرمن سكان العاصمة الذين يتجاوز عددهم 16مليون نسمة. ومن ثم إن ما جرى في شوارع طهران من اشتباكات بين قوات حفظ النظام ومن أسماهم ذلك الإعلام' بالمنتفضين' تحدث في أكثر الدول تقدماً، سيما وأن المتظاهرين استخدموا العنف، واعتدوا على المرافق العامة في المدينة وبعضهم أقدم على الإعتداء على أفراد فقط لأنهم اختاروا أحمدي نجاد. وهذا ما شاهدته بأم عيني. لذا كان من الطبيعي سقوط ضحايا من الطرفين وأعني المتظاهرين وقوات حفظ النظام. أما ما قامت به قناة 'العربية' من نقل أخبار عن موقع 'تويتر' وكأن الموقع أصبح وكالة أنباء، علماً بان الموقع هو للتعارف وتشكيل صداقات، فذلك يدل على مدى 'الحرفية والمصداقية' التي تتمتع بها القناة.
ووسائل الإعلام الغربية متورطة أكثر من العربية في حملتها ضد إيران وبث أخبار لا تمت إلى الواقع بصلة، لكننا اعتدنا على ذلك، وألفنا انحياز الغرب لمصالحه على حساب مصالح شعوب العالم الثالث.
فعملت على تحريك موسوي وأنصاره وأعلنت تضامنها معهم، لذلك لم أستغرب ردة فعل هؤلاء 'المنتفضين' على نتيجة الإنتخابات، لأنها خيبت آمالهم، وحطمت أحلامهم في تحويل بلدهم إيران إلى شاكلة الغرب، فهم يمثلون الطبقة الغنية وبعض من طلاب الجامعات و طامحين آخرين، بُهروا بالغرب و'بتحرره الأخلاقي'، ومجتمعاته التي تخلو من ضوابط، فعمت قلوبهم الديمقراطية الغربية ونسوا انتمائهم وحضارتهم وتاريخهم ليهرولوا خلف تلك الدول التي حاولت بكل الوسائل التدخل في شؤون بلادهم والعبث في أمنه. وقد أقدمت بريطانيا على إعداد موجات بث جديدة لقناتها الفارسية الـ'بي بي سي' وذلك سعياً منها للنفوذ إلى المجتمع الإيراني، ناهيك عن الإختراقات التي سجلتها إيران عليها ولم تكشف عنها بعد. وسارعت دول أخرى لتوظيف الإنترنت وتقديم خدمات مجانية لجهات في إيران حتى تستطيع التأثير على أكبر قدر ممكن من الشباب. وما لفت انتباهي أنهم كانوا منظمين بطريقة تدل على انهم تلقوا تعليمات، وذلك أن بعضهم عمدوا إلى إغلاق الطرق باستخدام باصات النقل العام، وأحرقوها، وكان تجاوبهم سريع لأي نزول إلى الشارع وفي المنطقة الواحدة، وراعني ما شاهدت من تحريض لبعض طلاب جامعة طهران المقيمين في السكن الجامعي الذي أقيم فيه، ورأيت بأم عيني كيف أقدم بعض الشباب من غير الطلبة خارج السكن إلى الدخول إلى الوحدات السكنية وحث بعض الطلاب على المشاركة في تظاهرات وأعمال شغب قاموا خلالها بحرق الممتلكات العامة، حتى أنهم حاولوا أخذ رهائن من شرطة مكافحة الشغب واستدراجها إلى داخل السكن وتحويله إلى ساحة حرب شوارع حقيقية.
أكاد أجزم أن كل ما جرى من تلك الأحداث مخطط له قبل الإنتخابات، وأدرك تماماً أن الحكومة الإيرانية هنا لم تتوقع أن تصل الأمور إلى ما وصلت إليه، لكن العبرة هنا واضحة لكل الدول العربية في أن ما يسمى بالدول العظمى، لا تقف موقف المتفرج من كل أزمة أو اضطراب في هذه البلدان، وإنما هي لاعب رئيسي يسعى لتحقيق مصالحه من خلاله .
ا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق