والحق أن محنة الشعب الفلسطيني استعصت علي. ستون عاما ونيف ونحن نلوك هذه المسألة الفلسطينية، شعرا ونثرا، وبيانات شجب وإدانة واستنكار، واجتماعات ثنائية ومتعددة الأطراف، وندوات ومؤتمرات، كل هذه الجهود راحت هباء.
( 2 )
في الساحة الفلسطينية انقسام بين قيادات العمل الفلسطيني، وكل له رأي فيما يجري، البعض باحثا عن مصدر دخل تؤمنه السلطة، والبعض الآخر في السلطة من اجل المحافظة على امتيازاته الذاتية، والبعض يعمل من اجل قضية وطنية سامية ولكن السيد في هذا الخلل من يملك المال والجاه مدعوما بنفوذ صهيوني أمريكي وحوله مجموعة من المنتفعين والذي لا يعنيهم الوطن بقدر ما يهمهم المال والجاه، ذلك هو السلطة.
في الجانب الآخر إسرائيل، أحزاب وقوى متناحرة متباينة ولكنهم متحدون في وجه الشعب الفلسطيني، جندهم ورجال أمنهم يستبيحون الضفة الغربية بشكل يومي ويقتلون ويختطفون ويهدمون ويحرقون كل ما يقع في متناول أيديهم في الضفة الغربية. كل هذا يحدث تحت سمع وبصر جيش السلطة ورجال أمنها وقادتها السياسيين والناطقين باسمها، وكان آخر المناظر البشعة الاعتداء على شاب فلسطيني غير مسلح بإطلاق النار عليه في وضح النهار ثم يدوسه مستوطن صهيوني بسيارته ذهابا وإيابا في مدينة الخليل ذلك الفعل هز ضمير كل من عنده ضمير في العالم بأسره إلا ضمائر الكثير من قادة العمل الفلسطيني وفي مقدمتهم سلطة رام الله العتيدة والتي ما برحت تبحث عن ذرائع للعودة إلى ألعوبة المفاوضات. إسرائيل جندت العالم وكبار قادته من اجل إطلاق سراح الإرهابي الإسرائيلي شليط المعتقل في غزة يشارك في هذه الحملة بعض القادة العرب وخاصة الرئيس حسني مبارك، في نفس الوقت تعتقل إسرائيل أكثر من 11 ألف أسير فلسطيني ولا احد يتحدث عنهم من السلطة إلا باستحياء وعلى حذر.
(3)
في الجانب الدولي تقوم الأمم المتحدة وبعض الوكالات الدولية بإغراء الكثير من الفلسطينيين الذين يعانون قسوة الحياة ومرارة مخيمات اللجوء على مشارف بعض العواصم العربية أو على الحدود (سورية ـ العراق، الأردن ـ العراق) بالرحيل إلى المنافي البعيدة إلى دول أمريكا اللاتينية، أو إلى استراليا كما فعلت في الأسبوع الماضي في اختيار البعض من مخيمات الشقاء على الحدود السورية ــ العراقية . لقد كنا نتوقع أن يصر دعاة الحلول السلمية والتفاوض في الجانب العربي بان يرحل هؤلاء إلى وطنهم الأصلي فلسطين وليس إلى المنافي البعيدة أو على الأقل قبولهم لاجئين بصفة مؤقتة في بعض الأقطار العربية ذات الندرة السكانية ليكونوا قريبين من وطنهم وفي رحاب أمتهم، لكي يعدوا ابناءهم ليوم العودة إلى الوطن الام فلسطين، وإسرائيل تصادر هويات حوالي 5000 مواطن مقدسي وتغير التركيبة السكانية في القدس لصالحها بشهادة قناصل الدول الكبرى هناك. وسؤالي هل مات الضمير الإنساني والغيرة والحمية العربية عن قياداتنا السياسية والفكرية، أم أنها تنتخي وتستدعى فقط عند كل مباراة لكرة القدم؟
(4)
عربيا حصار شامل على قطاع غزة تفرضه مصر العربية، ولاجئون فلسطينيون يعيشون في معازل في أكثر من دولة عربية، يعيشون في محنة إنسانية لا نظير لها إلا في المعتقلات الاسرائيلية، وفي دول عربية أخرى، من تنتهي إقامته لا تجدد إلا بشق الأنفس وإذا جددت، وإذا كانت إقامته صالحة فلا يحق له استقدام زوجته أو أمه أو أي من أفراد أسرته بينما الجاليات الأخرى مسموح لها حتى بشرب المحرمات ناهيك عن استقدام أسرهم، في مصر ذكرت جريدة الشروق المصرية (30 11) أن قوات الأمن اعتقلت طالبة جامعية مصرية وهي تهم بدخول مصلى لاداء صلاة العيد برفقة أخيها الذي كان يرتدي غترة فلسطينية، وأصر المخبر السري عند باب المصلى على خلع الكوفية، فاعترضت الفتاة ورفضت خلعها فما كان من المخبرين إلا أن قبضوا عليها وأودعوها مركز الشرطة في يوم العيد ولم يتركوها تؤدي الصلاة، والسؤال هل النظام السياسي في مصر تخيفه (الكوفية) الفلسطينية وتهدد أمنه، يا للهول يا مصر العروبة.
آخر القول: أربع قضايا تهز الضمير الإنساني، الا الضمير العربي الاسلامي كان غائبا او مغيبا عند طرد الفلسطينيين إلى خارج الفضاء العربي، وسحب هويات أصحاب الحق في القدس، وفتاة مصرية تسجن لان أخاها يرتدي الكوفية الفلسطينية يوم العيد، ومستوطن إسرائيلي في الخليل يدهس بسيارته شابا فلسطينيا ذهابا وإيابا، فحسبنا الله ونعم الوكيل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق